واستأنفا الرحلة فسمع النبىّ صلىاللهعليهوسلم نداء عن يمينه : يا محمد ، على رسلك حتى أسألك؟ فلم يتوقف جبريل ، فسمع الرسول صلىاللهعليهوسلم النداء مرة ثانية عن يساره : يا محمد ، على رسلك! ومع ذلك مضى الركب ، ثم إن امرأة عجوز استقبلتهما عليها من كل زينة الدنيا ، رافعة يديها ، تقول : على رسلك يا محمد حتى أسألك! ومضى الركب ولم يعرّج ، وسارا ما شاء الله لهما أن يسيرا ، إلى أن لقيهما خلق من خلق الله ، فقالوا : السلام عليك يا أول! السلام يا آخر ، السلام عليك يا حاشر! فقال له جبريل : اردد السلام يا محمد! فردّ السلام ، وتكرر ذلك مرتين أخريين ، وكان البراق يهوى بهما ، وجبريل فى المقدمة ، والنبىّ صلىاللهعليهوسلم خلفه ، وكان ركوب البراق قد استصعب على النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، فركب جبريل أولا وراز البراق بأذنه ليركب النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، ثم حمله جبريل وأردفه خلفه ، ووصلا أرضا بها نخل ، فتوقف جبريل وأنزله ، وأمره أن يصلى ، ثم سأله : أتدري أى أرض هذه؟ فقال : الله أعلم. قال : صليت بيثرب ، صليت بطيبة. وانطلقا إلى أن وصلا أرضا أنزله فيها ، وأمره أن يصلى ، وقال له : صليت بمدين عند شجرة موسى. وانطلقا إلى أن بلغا أرضا فيها البيوت والمنازل ، فأنزله يصلى ، وقال له : صلّيت ببيت لحم حيث ولد عيسى ابن مريم. وانطلقا إلى القدس ودخلاها من بابها اليمانى ووصلا البيت فنزلا ، وربط جبريل البراق إلى حلقة فى حائط ـ هو حائط البراق الذى يسميه اليهود الآن حائط المبكى ، ودخلا المسجد ، وأشار جبريل إلى القبلة ، فصلى إليها وصلى النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، والتقى بالأنبياء : إبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وحيّوه وحيّاهم ، وصلّى بهم وكان لهم إماما ، وفى رواية أنه لم يتعرّف على هؤلاء الأنبياء وعلى غيرهم إلا فى منازلهم من السموات ، بحسب مراتبهم ، قيل : فلما فرغ من لقاء ربّه ورجع إلى بيت المقدس ، وصلى بالأنبياء ، ظهر شرفه وفضله بتقديمه عليهم فى الإمامة ، وذلك عن إشارة من جبريل أن يصلى بهم ، وبعد ذلك خرج وركب البراق عائدا إلى مكة بغلس.
وفى الرواية أيضا أنه لمّا وصل بيت المقدس استشعر العطش ، فأتى له بماء ، ولبن ، وخمر ، وعسل ، يختار أيهم يشرب ، فاختار اللبن ، فقال له جبريل : أصبت وأمّتك الفطرة. ثم إن جبريل انطلق به فأتيا الوادى الذى فيه القدس ـ وهو وادى جهنم فكان الحمة السنخة ، إشارة إلى ما سيكون حول القدس من صراعات مستقبلة ، ثم انصرف به ، فمرّا بعير لقريش قد أضلوا بعيرا لهم قد جمعه أحدهم ، فسلّم الرسول صلىاللهعليهوسلم عليهم حتى قال بعضهم : هذا صوت محمد!
وإلى هنا ينتهى حديث الإسراء ، أو أن أحداثه تلك كانت مقدمة للارتفاع إلى السماء