والمعراج كحدث ، مستقل إذن عن الإسراء ـ من قولنا عرّج به أى مرّ به ، والمعراج سفرة فيها تعاريج ، أى لم تكن على خط واحد ، والسفر عبر الفضاء علميا لا يكون فى خط واحد ، وكان المعراج بين الأرض والسماء ، وبين السموات السبع. والإسراء لاحق على المعراج ، وللأسف الشديد أن المفسرين خلطوا الرحلتين ، وجعلوهما رحلة واحدة ، ووضعوا الأحاديث على ما فهموه ، أو حرّفوا فيه ، فكان الخلط بين الإسراء والمعراج ، ولعلنا ننتقى من هذا الكم الزاخر من الأحاديث ما يوافق ما جاء فى القرآن عن الإسراء وعن المعراج ، وننحى ما لا يوافقهما ، أو نعيد الرأى فى هذه الأحاديث ، ونعزل ما يناسب الإسراء عمّا يناسب المعراج. وينبغى أن ننبّه إلى أن كل هذه الأحاديث ، رغم ما فيها من خلط وروايات متضاربة ، فإنها معقولة ولا تتنافى مع العلم. ومن الضرورى أن نعى أن الإسراء شامل للسفر إلى بيت المقدس وتلقّى الوحى بالصلاة ، فهذه رؤيا ، بينما رؤيا سورة النجم رؤيا أخرى ، وفيها أبصر جبريل فى صورته الملكية ، وعاين سدرة المنتهى وجنة المأوى ورأى الآيات العجيبة.
والإسراء كحدث ضخم كان قبل الهجرة ، والناس فيه اختلفوا أشد الاختلاف ، وبعض الذين آمنوا بالنبىّ صلىاللهعليهوسلم لم يصدقوا إمكان أن يسرى به ذهابا من مكة إلى بيت المقدس ثم إيابا من بيت المقدس إلى مكة فى ليلة واحدة ، وهى الرحلة التى تستغرق معهم ذهابا فقط نحو الشهر. وتزعّم أبو جهل المكذّبين للنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وفيما أورده المحدّثون فإنهم نسبوا إلى النبىّ صلىاللهعليهوسلم أنه كان نائما فى البيت الحرام حينما جاءه ثلاثة نفر حملوه إلى حيث بئر زمزم ، وتولى جبريل شق صدره ، وغسّله وغسل جوفه ، وحشاهما بالإيمان والحكمة ، ولنلاحظ الرمزية فى هذه الأحاديث منذ البداية وسنرى أن الاتجاه الرمزى هو الاتجاه الغالب فى هذه الأحاديث ، وأنه يصنع منها بابا من أبواب الأدب الإسلامى هو الأدب الدينى الرمزى. وفى رواية أخرى بخلاف السابقة أن النبىّ وهو بين النوم واليقظة ، وعيناه مغمضتان وقلبه يقظان ، رأى سقف بيته ينشق ويدخل منه جبريل ، ويشق صدره ، ويغسّله بماء كان معه من ماء زمزم. ثم أخذه وأركبه دابة ، لونها أبيض ، ولها هيئة أكبر من الحمار ودون البغل ، وهذه الدابة هى البراق ، من البرق ، والبرق يكون خاطفا ، وهى البراق لأنها تسير كالبرق الخاطف ، فسرعتها أكبر من سرعة الصوت ومن سرعة الضوء. وفى الطريق توقف لا ركب ، وهمز جبريل الأرض فتدفق منها الماء ، فتوضأ والنبىّ ينظر ويحفظ ويقلّده عليه ، فوضّأ جبريل وجهه وغسّل ذراعيه ، واستنشق وتمضمض ، ومسح رأسه وأذنيه ورجليه إلى الكعبين ، ونضح فرجه ، ثم قام فصلى ركعتين وفعل النبىّ صلىاللهعليهوسلم مثله.