إشارة لكل من يعانى الوصب من الحياة ، فما عليه ليشفى إلا أن يحجّ إلى بيت الله ، وبيوته ثلاثة : البيت الحرام : وهو أقدم هذه البيوت ، وهو المحرّم أن يدخله مشرك ، وأن يفعل فيه إثم ، وأن ترتكب فيه معاص ، وأن يراق فيه دم ؛ وبيت المقدس : وهو مجمع الأنبياء ، المبارك من حوله وما حوله ؛ وبيت النبىّ صلىاللهعليهوسلم فى المدينة ، وهو مسجده ، بناه كما بنى إبراهيم البيت الحرام ، وكما بنى سليمان بيت المقدس. والنبىّ صلىاللهعليهوسلم إذ يحج إلى هذا البيت لا يشرّع للمسلمين أن يكون حجّهم إليه ، لأن الإسراء كان خاصا بالنبىّ وحده صلىاللهعليهوسلم ، وفى هذه السورة المباركة وصف الله تعالى نبيّه بالعبودية ، فقال : «أسرى بعبده» ، فجعل العبودية له تعالى أشرف المقامات وأسمى المرتبات ، وفى سورة النجم وصفه فى مقام الوحى بالعبودية أيضا فقال : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (١٠) ، وفى مقام الدعوة وصفه بالعبودية كذلك فقال : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) (١٩) (الجن) ، فالعبودية لله مكافأة قبول كسائر المكافئات للنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، ومع أن سورة النجم سابقة على سورة الإسراء ، فالنجم فى التنزيل هى الثالثة والعشرون ، والإسراء هى الخمسون ، إلا أن المفسرين دأبوا على الاستشهاد بآيات سورة النجم استكمالا لمجريات أحداث سورة الإسراء ، وهذا خطأ ، لأن الرؤيا فى سورة النجم هى رؤيا أخرى بخلاف رؤيا الإسراء ، وهى رؤيا تسبق رؤيا الإسراء ، ورؤيا سورة النجم هى التى رأى فيها النبىّ صلىاللهعليهوسلم جبريل مرتين ، ففي المرة الأولى كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم على الأرض ويتطلع إلى السماء ، فرأى جبريل بالأفق الأعلى كقوله تعالى : (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (١٠) (النجم) وعبده : هو عبد الله محمد صلىاللهعليهوسلم ، وفى هذه الرؤية يقول تعالى : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) (١٢) (النجم) ، ثم أنه رأى جبريل مرة أخرى وإنما فى السماء : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) (١٨) ، وفى رأينا أن المعراج يرد عنه فى سورة النجم وتحدّثت به هذه السورة وحدها ، وفيها يقسم الله تعالى بالنجم كقسمه بمواقع النجوم ، وإنه لقسم عظيم ، بأن المعراج حقيقة ، وأنه صلىاللهعليهوسلم ما ضلّ وما غوى ، وما نطق عن الهوى وهو يحدّث عن هذا المعراج الذى عرّج به جبريل إلى السماء ، فرأى سدرة المنتهى وجنة المأوى ، وشاهد ما يغشى السدرة ، وما زاغ بصره وما طغى ـ أى ما رأى إلا ما سمح له برؤيته ، ورأى من آياته الكبرى ، فقد كان كل ما شاهده وأبصر به وعاينه آيات كبرى ، كقوله تعالى : (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) (١) (الإسراء) أى نريه ما يدلّ على قدرة الله تعالى وعظمته ، فيطمئن قلبه ، ويسكن خاطره ، وترضى نفسه.