وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) (٢١٦) (البقرة) ، وقوله : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) (٥٢) (المائدة) ، وقوله : و (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) (١٢٩) (الأعراف). والله غالب على أمره ، فيا أمة محمد ، لا تهنوا ولا تحزنوا ، ولا تكونوا فى ضيق مما يمكرون ، عسى ربّنا أن يبدّلنا خيرا!
* * *
٩٣٩. قصة الإسراء والمعراج
الإسراء يعنى السير فى الليل ، تقول سرى وأسرى ، كسقى وأسقى ، وإنما سرى إذا سرت من آخر الليل ، وأسرى إذا سرت من أول الليل. والآية التى تحكى عن الإسراء تقول : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١) (الإسراء) ، يعنى أن رحلة الإسراء بدأت من أول الليل ، وكانت رحلة عظيمة وآية من آيات الله ، أسرى فيها بالنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، ورأى فيها من الأعاجيب ما رأى ، فسبحان الذى حقق لنبيّه ذلك ، له التنزيه والذكر العظيم ، وكان سميعا بصيرا بعبده محمد صلىاللهعليهوسلم ، كقوله مع موسى وهارون : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) (٤٦) (طه) ، فلما كان «عام الحزن» ، ووفاة عمه أبى طالب وزوجته خديجة ، وما لاقاه من قومه بعدهما ، وما استشعر من غربة وهو فى بلده وبين ناسه ، والسجن الكبير الذى وضعوه فيه ، والمهانة التى يصادفها منهم يوميا ، لم يكن يشكو بثّه وحزنه إلا إلى الله ، وهو العليم بحاله ، والمطّلع على أحواله ، فكانت رحلة الإسراء جائزة له على صبره ، وخروجا به عن هذه الوحشة والقطيعة ، وتسرية له ، وردا لاعتبار الدين بعد أن اعتور الشك الكثيرين. وكان الإسراء إلى بيت المقدس لأنه كان إذا دعا وإذا صلى يتوجه إلى بيت المقدس ، وهو مجمع أرواح الأنبياء ، أراده داود ثم سليمان رمزا لوحدانية الله ، ولاجتماع كلمة المسلمين على التوحيد ، وإشارة إلى أن الناس صنفان : جماعة المؤمنين وجماعة الكافرين ، والأولون بيتهم هو بيت الله فى القدس ، والآخرون بيوتهم هى بيوت النار ، أو بيوت الأوثان والأصنام. وبيت المقدس بالنسبة لما حوله من عالم الناس ودنياهم بمثابة القلب من الجسد ، ولا حياة لجسد بلا قلب ، وكان الناس قبله بلا قلب ، فصار هذا البيت هو القلب لهم يضخ الإيمان فى قلوبهم ، والنظرة إليه عن قرب ، تشدّ الأزر ، والتوجه إليه عن بعد يقوّى الروح ، ويحمّس النفس ، واجتماع المسلمين على الصلاة إلى بيت واحد مهما بعدت بهم الشقة ، ونأت بهم الديار ، يجعلهم أمة واحدة هى أمة «لا إله إلا الله» ، وحزبا واحدا هو «حزب الله» ، وسفرة النبىّ صلىاللهعليهوسلم إلى القدس ، وزيارة البيت كانت بمثابة الحج ، والإسراء