والشك ، ومثل ذلك قاله الحواريون : «وتطمئن قلوبنا» ، تماما كما قال إبراهيم : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٢٦٠) (البقرة). ثم إن قولهم : «هل يستطيع ربّك» تلطّف فى السؤال ، وأدب مع الله تعالى. وكان ردّ عيسى : «اتقوا الله إن كنتم مؤمنين» لأنه لم يستبشر خيرا بكثرة أسئلتهم واقتراحاتهم لآيات الله ، لأنه تعالى لا يفعل إلا الأصلح لعباده ، فلما نهاهم بيّنوا سبب سؤالهم ، قالوا : «أن نأكل منها» ، فقد كانوا جوعى ، وكما جاء بقصتىّ الإنجيل ، كانوا بالآلاف ، ولهم ثلاثة أيام لم يذوقوا طعاما ، وكان من ساروا خلفه من أصحابه يدركون حاجة الناس ، وأن أكثرهم مرضى وزمنى وعميان ، ولم يكن معهم نفقة لفقرهم ، فأراد الحواريون سدّ جوعة الناس ، ولتطمئن قلوبهم أنهم صاروا شعب الله ، وأنه اجتباهم واختارهم لدعوته ، وأن دعوتهم مستجابة عنده ، وليستيقنوا قدرة عيسى ، وليعلموا أنه قد صدقهم ، وليشهدوا لله بالوحدانية ، ولعيسى بالرسالة والنبوّة ، واقتنع عيسى فدعا ربّه ، ونزلت المائدة ، قيل كان نزولها يوم أحد ، وكانت عيدا لأولهم وآخرهم ، فكفت أولهم وآخرهم ، وكانت آية منه تعالى ، ودلالة وحجة ، واشترط عليهم أن يكون إيمانهم بعدها كاملا ، فإن شهدوا المائدة وعاينوها ، وعرفوا المعجزة ولمسوها ونظروها ، فما لهم حجة بعدها أن يداخلهم الريب ، وإلا فمن يشك بعدها فله العذاب الشديد ، قيل : له الدرك الأسفل من جهنم ، وفيه العذاب الشديد ، وعد به ثلاثة : المنافقون ، وآل فرعون ، ثم المكذّبون لعيسى بعد نزول المائدة.
* * *
٩٣٣. المسيح لم يصلب ولكن شبه لهم
فى الأناجيل الأربعة : أن اليهود طالبوا الوالى أن يصلب يسوع الذى يقال له المسيح ، وقالوا فيه : دمه علينا وعلى بنينا ، وحينئذ جعلوا يبصقون على يسوع ويضربونه على رأسه ، وهزءوا به ونزعوا رداءه ، ومضوا به ليصلب ، ولما صلبوه اقتسموا ثيابه ، وجعلوا فوق رأسه لافتة مكتوبا عليها : هذا هو يسوع ملك اليهود! (متى ٢٧ ، ومرقس ١٥ ، ولوقا ٢٣ ، ويوحنا ١٨ ، ١٩).
وينفى القرآن واقعة صلب اليهود للمسيح ، بقوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) (١٥٨) (النساء). وقوله تعالى «شبّه لهم» : ألقى شبهه على غيره ، ولم يكونوا يعرفون شخصه ، واستعانوا فى ذلك بتلميذه يهوذا ، وقتلوا الذى قتلوه وهم شاكّون فيه ، واختلف فيه عوامهم ، وقالوا : إنه إله ؛