أن يهرب بالغلام إلى مصر ، ليصدق على المسيح ما جاء فى سفر هوشع «من مصر دعوت ابني» (١١ / ١) ، والمقصود بهذه العبارة عند هوشع أن الابن هو شعب إسرائيل ، يعنى أن الشعب كان على موعد مع الله بخروجه من مصر ، ولكن كاتب الإنجيل وظّف العبارة لصالح عيسى وجعلها بشارة. وبالهروب إلى مصر نجا المسيح ، وقيل : إن هيرودس قتل كل صبيان بيت لحم وتخومها ، من ابن سنتين فما دون (متى ٢ / ٨ ـ ١٦). وظلّت العائلة المقدسة بمصر ـ مريم وزوجها وابنها عيسى ، وربما بعض أولادها من زوجها كانت أنجبتهم فى ذلك الحين ـ إلى أن مات هيرودس ، فرأى يوسف فى الحلم : «أن خذ الصبى وأمّه واذهبوا إلى أرض إسرائيل ، فقد مات طالبو نفس الصبى». وارتحلوا إلى الناصرة لينشأ المسيح ناصريا ، ويدعى الناصرى.
ويقول المستشرقون ، خاصة فينسينك ، وهوروفتس ، وبيترز : إن القرآن أشار إلى هروب يوسف بمريم والمسيح إلى مصر فى الآية : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) (٥٠) (المؤمنون) ، والربوة هى المكان المرتفع من الأرض ، قيل هى مصر ، لأن أرضها مرتفعة ، وذات قرار أى مستوية ، ومعين أى ماء جار ظاهر للعيون.
* * *
٩٣١. الحواريون أنصار عيسى
لمّا دعا عيسى اليهود إلى الله أنكروه : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (٥٢) (آل عمران) ، والحواريون فى الآية كانوا اثنى عشر كما جاء عنهم فى إنجيل متّى (١٠ / ٢ ـ ٤٢) : سمعان المدعو بطرس ؛ وأندراوس أخوه ؛ ويعقوب بن زبدى ؛ ويوحنا أخوه ؛ وفيلبّس ؛ وبرتلماوس ؛ وتوما ؛ ومتّى العشّار ؛ ويعقوب بن حلفى ؛ وتداوس ؛ وسمعان القانونىّ ؛ ويهوذا الإسخريوطى الذى أسلم عيسى لليهود ، وهؤلاء أسلموا على يديه ، ونصروا الله بالدعوة إليه ، بناء على وصية عيسى لهم ، قال : إلى طريق الأمم لا تتّجهوا ـ يعنى لا تبشّروا غير اليهود. وقال : بل انطلقوا إلى الخراف الضالة من آل إسرائيل ، فخصّ اليهود بالدعوة دون العالمين ؛ والدعوة طبقا للأناجيل مضمونها : الاعتراف بعيسى ابنا لله ، بينما هى فى القرآن كما ورد على لسان الحواريين ، قالوا : (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (٥٣) (آل عمران) ، والرسول الذى اتبعوه هو عيسى ، وإيمانهم بما أنزل الله هو إيمانهم بأحكامه فيه ، فلمّا أقرّوا بالله سألوه أن يكتبهم مع من يشهدون لأنبيائه بالصدق ، أى مع الصدّيقين. ودعوة