ابنا خالة على الحقيقة ، فمن المحتمل أنه قال ذلك تجاوزا ، على طريقة الساميين فى التعبير عن القرابة ، فإما ينسبون إلى العم ، أو الخال ، أو الجدّ الأكبر ، ونحن ـ المصريين ـ نفعل نفس الشيء ، وبحسب إنجيل لوقا (١ / ٥ ـ ٤٥) فإن أم يحيى ، وأم عيسى ، كانتا قريبتين وصديقتين.
وفى سورة الأنبياء قال زكريا : (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) (٩٠) ، فكأن الاستجابة كانت لأنهما ـ زكريا وزوجته ـ كانا دائمى الدعاء رغبا ورهبا ، يعنى فى حال الرخاء ، وحال الشدّة ، وفى الحالين كانا يظهران الخشية لله ، وكانا تقيين ورعين ، وهذا ما جعل ، زكريا من الأنبياء ، وإن كان كما قيل من الأنبياء الصغار. ، وقوله تعالى : (وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) فيه أن العقر كان بالزوجة دون زكريا. ويتصل بإنجاب زكريا قصته مع مريم أم عيسى ، ومن بركاتها أن وجودها فى حياته شحنه نفسيا ، فطلب من ربّه أن يكون له الولد التقى مثل مريم. وفى الطب النفسى قد يحدث الحمل فى العاقر إذا دبّت فيها الغيرة بسبب من الأسباب ، والغيرة منها الإيجابى ومنها السلبى ، وغيرة زكريا وزوجته من مريم من النوع الإيجابى ، فلم تصدر عن حسد ، على عكس غيرة سارة زوجة إبراهيم من هاجر ، فلما ولدت هاجر إسماعيل ، حملت سارة غيرة من هاجر ، مع أنها كانت عاقرا. وفى سورة آل عمران أن أقارب حنة أم مريم ، اجتمعوا لمّا ولدت ، وألقوا أقلامهم ، يعنى أنهم كانوا غالبا من الكتبة ، وإلقاء الأقلام كإلقاء القداح والسهام فى الجاهلية ، وكانوا يقترعون بهذه الطريقة لمعرفة من يكفل مريم ، وكان إلقاؤهم للأقلام فى الماء الجارى ، وهى من البوص فتطفو ، فيجريها الماء ، فإذا وقف القلم ، ولم يجر مع الماء فصاحبه الفائز ، وأهل مريم ألقوا أقلامهم وألقى زكريا معهم ، فجرت الأقلام إلا قلم زكريا ، فكانت آية له لأنه كان نبيا ، والأنبياء تجرى على أيديهم الآيات. وقد أفاد المسلمون من هذه الواقعة فى حياة زكريا ومريم ، أن أثبتوا بها القرعة ، فصارت من الشرع لمن أراد العدل فى القسمة ، وهى من السنّة التى يحتجّ بها ، وتطمئن بها قلوب المقتسمين ، وترتفع بها المظنة عمن يتولى إجراء القسمة لهم. وعمل بالقرعة ثلاثة أنبياء : يونس ، وزكريا ونبيّنا محمد عليهمالسلام ، وهى كالإجماع فيما يقسم بين الشركاء ، ومثلهم مثل القوم فى الحديث النبويّ الذين استهموا على سفينة ، وفى الخبر أن عثمان بن مظعون طار سهمه فى السكنى حين اقترع الأنصار سكنى المهاجرين ، وحدّثت عائشة أن الرسول صلىاللهعليهوسلم كان يقرع