الشرك ، وأسلم هو ، هددته إن لم يترك دينه فلن تأكل حتى تموت فيعيّره الناس بأنه قاتل أمه ، ومكثت لا تأكل يوما وليلة ، فأصبحت وقد أجهدت ، ثم مكثت يوما آخر وليلة لم تأكل ، فجهدت أكثر ، ثم أنها مكثت يوما وليلة لم تأكل حتى اشتد جهدها ، فقال لها : يا امّه! تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ، ما تركت دينى هذا لشىء! فإن شئت فكلى؟ وإن شئت لا تأكلى ـ» ، فأكلت! وفى الآيات السابقة أن الآخرة فيها الحساب على الكبيرة والصغيرة ، والصغيرة يعرفها الله مهما تناهت فى الصغر وبدا أنها قد تخفى ، فالله لطيف لا تخفى عليه خافية ، وهو الخبير بدبيب النملة فى الليل البهيم. ثم أوصى لقمان ابنه : بالصلاة ، فلا شكر لله بلا صلاة ، وإقامة الصلاة تكون بفروضها وحدودها وأوقاتها ؛ وأوصاه : أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فى حدود طاقته وجهده ، وقد يناله من ذلك الضرر فعليه أن يصبر ، والصبر هو ما يمكن أن يواجه به المؤمن مصائب الدنيا ؛ وأوصاه بأن : لا يصعّر خدّه للناس ، أى لا يشيح بوجهه كبرا عليهم ، واحتقارا لهم ، ومثل ذلك الإعراض عن الناس ، وترك الكلام معهم ؛ أوصاه : أن لا يختال بنفسه ويمشى مشية المتكبّر المتفاخر ، والمتباهى المتعاظم والفرح بنفسه زهوا ؛ وأوصاه : أن يقصد فى مشيه ، أى يتوسط فيه بين الإسراع والبطء ، وهكذا فى كل شىء ، فالقصد هو التوسط ، وقيل الفضيلة وسط بين نقيضين ، فالكرم فضيلة ، وهو وسط بين الشّح وبين السفه والإسراف ، والتوسط مطلوب فى الصوت ، ويوصى لقمان ابنه فى ختام وصاياه بالغضّ من صوته ويضرب المثل بصوت الحمار الجهير ، فإنه أنكر الأصوات ، وهذه الآية أدب من الله بترك الصياح جملة حتى فى الملاحاة ، والناس تجهر بالصياح لدافع نفسى وإحساس داخلى بالضعف ، ومدافعة للخصم ، على اعتبار أن صاحب الصوت الأشد هو الأعزّ ، وصاحب الصوت الخفيض هو الأذلّ. وهذه المواعظ الثمانى عشرة ، هى كل مواعظ لقمان فى القرآن ، وهى نموذج من وصاياه من أفضلها وأحسنها ، وله مواعظ أخرى كثيرة أوردتها الكتب الإسلامية ، فلمّا كان يافعا ظهرت عليه مخايل الحكمة مبكرة ، وكان يعمل بالأجر عند أناس ، فأمره مولاه أن يذبح شاة فذبحها ، فأمره أن يخرج أطيب مضغتين فيها ، فأخرج اللسان والقلب ، ثم مكث مدة وأمره أن يذبح شاة أخرى ويحضر أخبث مضغتين فيها ، فأحضر اللسان والقلب ، فقال له مولاه : كيف ذلك : اللسان والقلب مرة هما أطيب مضغتين ، ومرة هما أخبث مضغتين؟! فقال لقمان : «إنهما ليس أطيب منهما إذا طابا ، ولا أخبث منهما إذا خبثا»! ومن وصاياه الأخرى لابنه : يا بنى ، إنك منذ سقطت إلى الدنيا