أن يشكر ربّه. ونحن نشكر الله ، لأنه خلقنا ، ونشكر الوالدين لأنهما كانا سببا لخلقه لنا ، وكما أن شكره تعالى واجب ، فشكرهما كذلك واجب بطاعتهما كما نطيع الله ، وأن ندعوه لهما ، وهو الذى إليه المصير يوم الحساب ، يحاسبنا عمّا فرّطنا فى حقّه وفى حق الوالدين. والإشادة بالأم على وجه الخصوص ، وبدورها الكبير كأم ، قال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٥) (لقمان) ، فخصّها بأربع درجات من هذه الوصية : فخصّها أولا بذكر الحمل ، ثم خصّها ثانيا بذكر الرضاع ، وخصّها ثالثا بقوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) ، وخصّها رابعا بقوله : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) ، وأوصى بالأب مرتين فى قوله : «والديه» ، وفى قوله : و «والديك» ، وخصّ الأم مرتين صراحة ، ومرتين ضمنا ، وخصّ الأب مرتين ضمنا فقط. وهذه الآية هى تفسير للحديث الذى فيه يسأل أحدهم الرسول صلىاللهعليهوسلم : من أبرّ؟ قال : «أمّك». قال : ثمّ من؟ قال : «أمّك». قال : ثمّ من؟ قال : «أمّك». قال : ثمّ من؟ قال : «أبوك» (كأنه قال ثم أبوك فرفعها لهذا السبب) ، فجعل للأم ثلاثة أرباع المبرّة ، وللأب الربع منها فقط. وأكثر من ذلك ، أنه وصّف عمل الأم أعظم توصيف ، وفصّله تفصيلا ، لغرابته ومعجزته وكرامته ، ولسموق المعانى التى تهدى إليه ويعمل فى إطارها : فقد حملته فى بطنها ضعفا على ضعف ، ففضلا عن ضعف المرأة فالحمل يضعفها أيما ضعف ، ويثقل عليها طوال تسعة أشهر ، كما تثقل عليها الرضاعة طوال عامين أو نحوهما ، فالأم مسكينة ورعايتها لذلك أوجب وأهم. ونحن نولد ونهوّد أو ننصّر بحسب أبوينا ، وطالما المرء لم يرشد فلا مسئولية عليه ، وإنما المسئولية ابتداء من البلوغ ، فحينئذ علينا أن نسأل أنفسنا عمّن خلقنا؟ وما هى صفاته؟ وما هو الدين الذى يذهب إلى نفس ما نستخلص من نتائج ، ويتفق مع العقل ، وله رسالة اجتماعية وإنسانية ، فضلا عن أن فيه النجاة لصاحبه فى الآخرة؟ فإذا عرفنا ذلك فعلينا أن نلزم ما توصلت إليه عقولنا ، وأن نعبد الله ولو كانت عبادته فيها العصيان للوالدين ، فالدنيا هى حدود البنوّة للوالدين ، والآخرة بداية العبودية لله ، وفى العبودية لله إقرار بالوالدية ، ولكن الوالدية قد تكون مضلّلة للعبودية. والصحبة فى الدنيا للوالدين بالمعروف ، وأما للآخرة فالصحبة لمن يدعو إلى الله ، وإزاءه تعالى فلا طريق إلا أن نرجع إليه وننيب. ويروى أن الآية : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (لقمان ١٥) نزلت فى سعد بن مالك بن أبى وقّاص أحد العشرة المبشّرين بالجنة ، فلما كان برّا بأمه ، وكانت أمه على