استدبرتها واستقبلت الآخرة ، فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد. يا بنى ، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، ولا تجادلهم فيمنعوك ، وخذ من الدنيا بلاغا ، ولا ترفضها تكون عيالا على الناس ، وصم صوما يقطع شهوتك ، ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة. يا بنى ، إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل سفينتك فيها الإيمان ، واجعل شراعها التوكل ، واجعل زادك فيها تقوى الله ، فإن نجوت فبرحمة الله ، وإن هلكت فبذنوبك. يا بنى ، إن تأدّبت صغيرا انتفعت كبيرا. يا بنى ، ماسح عدوّك (أى صادقه) ولا تزاوله بالمجانية فيه ، فيبدو له ما فى نفسك فيتأهب لك. يا بنى ، إنى حملت الجندل والحديد ، وكل حمل ثقيل ، فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء ، وذقت المرارات كلها فلم أذق شيئا أمرّ من الفقر. يا بنى ، اتخذ ألف صديق ، وألف قليل ، ولا تأخذ عدوا واحدا ، والواحد كثير. يا بنى ، لا تتخذ الجاهل رسولا ، فإن لم تصب عاقلا حكيما يكون رسولك ، فكن أنت رسول نفسك. يا بنى ، لأن يضرّ بك الحكيم فيؤذيك خير من أن يدهنك الجاهل بدهن طيب. يا بنى ، لا تفشينّ سرّك إلى امرأتك. يا بنى ، تعلمت سبعة آلاف حكمة فاحفظ منها أربعا ، وسر معى إلى الجنة : أحكم سفينتك فإنّ بحرك عميق ، وخفّف حملك فإن العقبة كئود ، وأكثر الزاد فإن السفر بعيد ، واخلص العمل فإن الناقد بصير». ولمّا عابوا على لقمان قبح وجهه ، قال لهم : تعيبون على النقش أو على فاعل النقش؟!
* * *
٨٩٤. لقمان : العبد الصالح
فى الحديث : «ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١٣) (لقمان)»؟ ـ فالذى قال ذلك لابنه هو لقمان ، وهو بذلك العبد الصالح الذى نوّه به الرسول صلىاللهعليهوسلم. والصالحون صنف من أصناف المؤمنين ، أعلاهم النبيون ، ثم الصدّيقون ، ثم الشهداء ، ثم الصالحون ، يقول تعالى : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) (النساء ٦٩) ، ومن الصالحين كان زكريا ويحيى وإلياس (الأنعام ٨٥) ، وإسحاق ويعقوب (الأنبياء ٧٢) ، ونوح ولوط (التحريم ١٠) ، ويحيى (آل عمران ٣٩) ، وعيسى (آل عمران ٤٦).
* * *
قصة البقرة
٨٩٥. هل تتشابه القصة فى القرآن وفى التوراة
يردد المستشرقون كثيرا حكاية أخذ القرآن من التوراة ، وأن قصص القرآن جميعها من