الألوهية ، وأوصاف الله ، ومعنى النبوّة ... إلخ ، وكل النظريات الحديثة من نوع الحكمة النظرية ؛ وحكمة عملية : تهتم بالسلوك. والقرآن به الحكمتان ، والآيات من سورة لقمان التى تطرح فلسفة أو حكمة لقمان ، هى من نوع الحكمة العملية. ولقمان فيما يعرض من هذه الحكمة لم يكن نبيا ولكنه عبد صالح يتولى تربية ابنه التربية الدينية الدنيوية ، وحكمته نتيجة تفكيره وثمرة خبرته فى الحياة ، وحسن يقينه ، وقوة اعتقاده فى الله ، يقول لابنه واعظا : (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (١٢) (لقمان) ، والشكر فى حقيقته هو الثناء على المحسن بما أولانا من المعروف ، وترك الشكر للناس هو كفران نعمة الناس ، وترك الشكر لله هو كفران لنعمة الله. والشكر لله يكون بطاعته على ما أمر ، وألّا يعصى بنعمه. وحقيقة من يشكر لله أنه يشكر لنفسه ، يعنى أنه عند ما يشكر الله فإنه يثنى على نفسه ، ويستزيده تعالى من نعمه ، فإن لم يشكره فإنه لن ينقص الله شيئا ، ولكنه ينقص نفسه أشياء ، والله مستغن عن الشكر. والشكر لله هو باب الحكمة ، وتدخل ضمن هذا الباب المواعظ ، ومواعظ لقمان من أشهر المواعظ ، وبداية أية مواعظ هو الدعوة لتوحيده تعالى ، والنهى عن الشرك به ، وهذه الموعظة هى الملح الذى بدونه لا يحلو الطعام ولا الكلام. والشرك ظلم ، وهو أكبر الظلم لله بأن نجعل له ندا ، ولأنفسنا بأن نضلّلها ونفسد فطرتها ، ولمن حولنا ، لأن الشرك بالله دعوة للآخرين أن يحذو حذونا وأن يقتدوا بنا فيضلوا بضلالنا. وسبب هذه الآيات عن لقمان ، أن بداية سورة لقمان كانت عن طبقة من المؤمنين هم المحسنون الذين يعملون الصالحات ، كقوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) (٣) (لقمان). مقارنة بالظالمين الذين ضلوا عن الإيمان ، مع أن الكون كله يحفل بالآيات الدالة على وجوده تعالى وواحديته. فلما ذكر هؤلاء تطرّق الحديث إلى لقمان الذى كانت هذه الدعوة هى دعوته ، وكان على رأس قائمة هؤلاء المؤمنين المحسنين. والظالمون الذين عناهم الله تعالى بقوله تعالى : (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١١) (لقمان) هم المشركون به ، فكانت عبارة لقمان : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١٣) (لقمان) استطرادا لمقولته تعالى عن الظالمين. ولقمان مهمته الوعظ ، لأنه حكيم ، واختار لذلك أن تأتى عظاته كما لو كانت وصايا لابنه ، وهو نوع genre من الكتابات الأدبية ، أو أدب الحكمة ، يتخيل فيه الكاتب أنه يخاطب ابنه ، وينزل بذلك القارئ منه منزلة الابن من أبيه ، والابن الأقرب إلى أبيه ، والأكثر حاجة لمواعظه ووصاياه ونصائحه ، ويختصه الأب بأفضل ما يعرف ، والإيمان بالله هو أفضل وأحكم المعارف ، ولقمان فى هذه القطعة الأدبية اختار أن يوصى ابنه بربّه ، وأن يحذّره من الشرك ، ويعلّمه