وقيل : إنه عاش ألف سنة ، ولذلك لقّب بالمعمر ، وأدركه داود ، وكان عمله الإفتاء ، فلما بعث داود انقطع عن الإفتاء ، فقيل له ، فقال : ألا اكتفى إذا كفيت! ـ يعنى بمجيء داود لم تعد هناك حاجة للناس فيه ، ولذلك قيل إنه النبى «صموئيل» ، وقيل هو النبىّ «جاد» الذى عاصر داود. وتروى عن لقمان فى القرآن ثمانى آيات ليس فيها ما يمكن أن نستدل به على أن لقمان كان نبيا ، ومع ذلك قال بعض المسلمين أنه أوتى النبوّة ، فى قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) (لقمان ١٢) ، فجعلوا الحكمة بمعنى النبوّة ، والصحيح أن النبوّة غير الحكمة ، وفى القرآن : (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) (البقرة ١٢٩) فهل النبوّة تعلّم؟ وهل من مهام الأنبياء أن يعلّموا الناس النبوّة؟ ؛ وفى القرآن : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ) (النحل ١٢٥) ، فهل المعنى أن ندعو إليها بالنبوّة؟ وإذن لا يكون ما آتاه الله لقمان إلا الحكمة بمفهوم الدراية بأمور الحياة ، والتعامل مع الناس والمواقف بموضوعية وعقلانية ، وبانفتاح على العالم والحياة ، وبمعرفة علمية وإحساس اجتماعى ونظرة فلسفية ، وكانت حكمة لقمان آراء سديدة تسلك بمن يستهديها المسلك الصائب. واسم لقمان على وزن فعلان ، فهو عربى ، ولا يوجد الوزن فعلان فى العبرية ، وواضح أنه من الحكماء الذين كانت تزخر بهم بلاد العرب ، مثل : هرم بن قطبة بن سنان ، والحارث بن كلدة الثقفى ، وأكثم بن صيفى بن رباح ، وعامر بن الظرب العدوانى ، وعبد المطلب بن هاشم. والحكمة عند العرب فرع المعرفة المقابل للفلسفة عند الإغريق. ومعنى الفلسفة هو حبّ الحكمة ، حيث Philo تعنى الحب ، وsophos تعنى الحكمة. وكان فيثاغورس الإغريقى أول من سمّى نفسه فيلسوفا أو محبا للحكمة ، وكان الناس قبله يسمون حكماء ، ورفض فيثاغورس أن يسمّى حكيما ، فحسب قوله : أن هذا كثير عليه ، وأنه يفضّل أن يقال أنه «محب للحكمة» على أن يقال أنه «حكيم». وإذن فالحكمة كانت إغريقية كما هى عربية ، إلا أن العرب تمسّكوا باسم الحكمة ، بينما تنازل الإغريق عن الاسم ، وآثروا عليه اسم «حبّ الحكمة» أو الفلسفة. والردّ على من يقول إن الفلسفة لم يعرفها العرب قبل عصر الترجمة زمن المأمون ، هو أن فلسفة العرب كانت هى الحكمة ـ وإن تخلّوا الآن للأسف عن الاسم ، واستعملوا كعادة المحدثين ـ الاسم الأوروبى : الفلسفة. وفى القرآن يأتى مصطلح الحكمة : عشرين مرة ؛ ويأتى مصطلح الحكيم : إحدى وثمانين مرة. والقرآن أكثر كتب الأديان دعوة إلى الحكمة ، وذلك دليل على أن الإسلام دين ثقافة ومدنية وعلم وحضارة وفكر ، وليس دين جامد ثبت على مقولات انتهت صلاحياتها منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة! وحكمة العرب نظرية وعملية ، لأن الحكمة ضربان : حكمة نظرية : كالتى تبحث فى معنى