أسود ، مشقّق الرجلين ، ذا مشافر ، أى عظيم الشفتين ، ولذا سمّاه لقمان البربرى Loqman Le ـ Berbere ، واعتبر توى Toy قصته حكاية شعبية ، وأسطورة أو خرافةLegend ، وذهب شوفين Chouvin نفس المذهب. وأما نولدكه ، وكونيبير ، وريندل ، وهاريس ، وأجنيث سميث لويس ، فهؤلاء عقدوا المشابهات بين حكم لقمان وبين الحكم المشهورة فى الغرب باسم حكم إيزوب ، وجميع هؤلاء يقصدون إلى شىء واحد : أن محمدا أخذ هذه الحكم عن غيره ، وكأنه صلىاللهعليهوسلم كان عارفا بكل لغات الدنيا! فما كانت فى زمنه ترجمات ، ولا بد لكى يقرأ فى هذه الثقافات أن يقرأها بلغاتها! وكأنه ملم بها بثقافات أصحابها ، وثقافات السابقين عليهم! وما كان صلىاللهعليهوسلم إلا عربيا يرعى الأغنام قال فيه ربّه : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) (العنكبوت ٤٨) ، فسبحان الله! ولو سألت أغلب مثقفى أوكسفورد أو هارفارد : من هو إيزوب هذا وما هى حكمه؟ لحاروا فى الجواب! وإيزوب الذى يشابه نولدكه قصة لقمان به ، كان إغريقيا من القرن السابع أو السادس قبل الميلاد ، فكيف عرف نبيّنا به؟! ولو تناولت أيا من الموسوعات أو المعاجم الأوروبية أو الأمريكية فستجد ترديداً لهذه الفرية : أن لقمان هو النسخة العربية لإيزوب ، وأن الحكم العربية فيه لتشبه حكم إيزوب ، ولما كانت الروايات الغربية مجمعة على أن إيزوب شخصية متخيّلة ، وليس لها واقع حقيقى ، فإن المستشرقين الذين ابتلينا بهم ، يصرّون على أن لقمان هو الآخر شخصية خرافية!! ولا أبرّئ المفسّرين العرب من هذه التخرّصات التى يروّجها المستشرقون ، فأمثال الثعالبى والطبرى يستحقون الضرب بالرصاص ، إلا أنهم مع ذلك كانوا مجنيا عليهم ، فمصادرهم إسرائيلية ، وما اشتهر عند علماء العرب باسم الإسرائيليات تحفل بها كتبهما ، ونشرها بين الناس ، فكان لزاما أن نحذر منها ، ومن ذلك ادّعاء وهب بن منبّه ـ وهو أستاذ فى الترويج للإسرائيليات ، أنه قرأ من حكم لقمان أكثر من عشرة آلاف باب ، ولاحظ قوله «عشرة آلاف باب» ولم يقل حكمة! والباب فى العلوم هو مبدأ فصولها ، فلربما يندرج ضمن الباب الواحد المئات من الحكم فى الموضوع الواحد ، ومعنى ذلك أن يكون لقمان أحكم من داود وسليمان والأسباط وعيسى مجتمعين! وقالوا فى لقمان أنه كان خيّاطا ، وقيل : بل كان نجّارا ، ومن ذلك قولهم : إن لقمان علّم داود ، وكان يعظه ؛ وقولهم : أنه كان من قضاة إسرائيل من نوع القضاة الولاة ضمن سفر القضاة ؛ وقولهم أن اسمه كان لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارح ، أى كان من نسل آزر ، ومن أصول النبىّ إبراهيم ، وقيل : كان اسمه لقمان بن عنقاء بن سرون ، وكان نوبيا من أهل أيلة بفلسطين ؛ وقيل : كان ابن اخت أيوب ، أو ابن خالته ؛