الآية الثانية فى سورة ص مع إسماعيل واليسع ، وفى الآية الأولى هم ثلاثة ، وفى الثانية هم ثلاثة ، بتغيير اسم إدريس إلى اليسع ، وذلك ما جعل بعض المفسرين يظنون أن إدريس هو اليسع! ونلاحظ أنه فى الآيتين فإن ذا الكفل كان من الأخيار ، المتقين ، الصالحين ، الصابرين ، الذين دخلوا فى رحمة ربّهم. والكفل فى اللغة لها معان كثيرة ولا يصلح منها لتفسير ذى الكفل إلا أن يكون الكفل بمعنى الكفالة ، فهو صاحب كفالة ، وصاحب الكفالة الوحيد فى القرآن هو النبىّ زكريا ، فلما اقترعوا على مريم بأقلامهم ، قرعهم النبىّ زكريا ، فكفلها دونهم ، فقال لذلك بعض المفسرين إن ذا الكفل المقصود به زكريا.
وارتأى المستشرق جايجر فى قصة النبىّ عوبدياObdiah فى التوراة شبها لما عدّده القرآن من صفات لذى الكفل وتنطبق على عوبديا دون غيره. وكان ذو الكفل إسرائيليا ، وعوبديا كان كذلك ، ويأتى عنه فى سفر الملوك الثالث : أنه كان قيّم البيت ، وكان شديد التقوى ، وأنه تكفّل بحماية أنبياء بنى إسرائيل ، فأخذ مائة منهم وأخفاهم ، كل خمسين فى مغارة ، وعالهم بالخبز والماء ، وصبر على ظلم الطاغية أخاب ، والتقى بالنبىّ إلياس الذى كلّفه أن يلاقيه بأخاب ، وخشى عوبديا أن يقتله أخاب إن عرف أنه يعرف إلياس والتقاه ، وخشى كذلك أن يظن به إلياس أنه يخشى أخاب أكثر من خشيته لله ، فذكّره بأنه منذ صباه كان لا يعرف إلا تقوى الله ، فقال له إلياس إذن فالله معك. ولقد كان ، وأبلغ عوبديا الرسالة لأخاب. وتكفل عوبديا بأمر الأنبياء المختفين من ظلم الملك ، وتكفّله بإبلاغ الملك رسالة إلياس ، هما سبب إطلاق اسم ذى الكفل عليه. على أن جايجر رأى سببا آخر فى اللغة مردّها أسلوب العيش عند الإسرائيليين ، فالكفل الذى ينسب إليه ذو الكفل كان عندهم الرداء الذى يضعونه على الجسم كالعباءة ، ويتألف من رقيقتين من القماش السميك ، ومن ذلك ما يأتى فى سفر الملوك عن رداء النبىّ إلياس الذى ضرب به نهر الأردن فانفلق ، فلما رفع إلياس إلى السماء أعطاه للنبىّ اليسع. وعوبديا بهذا التفسير كان يتميز بكفله الذى لا يخلعه عن نفسه ، وربما لهذا كان اسمه ذا الكفل. وكان فعلا من الأخيار والصالحين ومن الرسل ، بدليل نبوّته التى تعدّ النبوّة الرابعة من نبوات الأنبياء الصغار ، وله صفحة واحدة من إحدى وثلاثين عبارة ، تؤلف سفرا يعتدّ به ضمن أسفار العهد القديم ، ويعتبر السفر الحادى والثلاثين ، ويتضمن بشارة ونذارة ، فأما البشارة فهى للمؤمنين بالله بأن الله سينصرهم عمّا قريب ، وأما النذارة فهى أن الساعة قريبة وأن الجميع ملاقوا الموت ، وأنه أمر محتوم ، وعندئذ يلاقى المجرمون ما يستحقون ، ويكون الملك للربّ.