والله لا أعصى الله بعدها أبدا! فمات من ليلته ، فأصبح مكتوبا على بابه : إن الله قد غفر لذى الكفل». وهذا الحديث لا يختلف عن السابق إلا بزيادة : «فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته!». ويختلف أيضا فى عبارة «فاتبع امرأة» فى الحديث الأول ، فجعلها «فأتته امرأة» فى الحديث الثانى ، فكانت الغواية من الرجل فى الحديث الأول ، ومن المرأة فى الحديث الثانى!
وكانت هناك محاولات لتفسير الاسم قام بها الكثير من المفسرين العرب ، فقيل : إن النبىّ اليسع لمّا كبر قال : لو استخلفت رجلا على الناس حتى أنظر كيف يعمل ، واشترط على من يخلفه أن يتكفّل له بثلاث : بصيام النهار ، وقيام الليل ، وألّا يغضب وهو يقضى ، فعرض عليه رجل تقىّ نفسه مرتين ، فعندئذ استخلفه ، فوفىّ الرجل ، فسمّى لهذا ذا الكفل ، لأنه تكفّل بما طلب منه نبىّ الله.
وفيما قالوا فى الحديث عن أبى موسى الأشعرى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : «إن ذا الكفل لم يكن نبيا ، ولكنه كان عبدا صالحا ، فتكفّل بعمل رجل صالح عند موته ، وكان يصلى لله كل يوم مائة صلاة ، فأحسن الله الثناء عليه». فهل صلاته المائة تجعله رسولا وتدرجه ضمن قائمة الرسل؟
وأخيرا يأتى حديث كعب الأحبار ، وهو اليهودى العتيد صاحب الإسرائيليات فى التفسير ، والغالب أن كل هذه الأحاديث السابقة كان هو مصدرها بالإضافة إلى هذا الحديث ، قال : كان فى بنى إسرائيل ملك كافر ، فمر ببلاده رجل صالح ، فقال : والله لا أخرج من هذه البلاد حتى أعرض على هذا الملك الإسلام. فعرض عليه فقال : ما جزائى؟ قال : الجنة ـ ووصفها له. قال : من يتكفل لى بذلك؟ قال : أنا. فأسلم الملك وتخلى عن المملكة ، وأقبل على طاعة ربّه حتى مات ، فدفن فأصبحوا فوجدوا يده خارجة من القبر وفيها رقعة خضراء مكتوب فيها بنور أبيض : إن الله قد غفر لى وأدخلنى الجنة ووفى عن كفالة فلان. فأسرع الناس إلى ذلك الرجل بأن يأخذ عليهم الإيمان ، ويتكفّل لهم بما تكفّل به للملك ، ففعل ذلك فآمنوا كلهم ، فسمّى ذا الكفل! وكأن ذا الكفل بهذا التفسير من قساوسة العصور الوسطى الذين يمنحون صكوك الغفران ، ثم إنه لا جنة إلا بعد الحساب يوم القيامة ، فكيف يدخل الملك الجنة دون قيامة؟ ثم أيدخل الناس الجنة بكفالة آخرين أم بأعمالهم؟
ولنحاول بدورنا أن نفسر معنى ذى الكفل بتحصيل السياقين اللذين ورد فيهما الاسم ، ونلاحظ أنه أدرج فى الآية الأولى فى سورة الأنبياء مع إسماعيل وإدريس ، وفى