وفى سورة ص يأتى : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) (١) ، أى الذى يذكر الرسل قبل محمد صلىاللهعليهوسلم ، وفى ذكرهم عبرة لمن يعتبر ، ومن هؤلاء : نوح ، ولوط ، وداود ، وسليمان ، وأيوب ، وإبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، ثم يأتى : (وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (٤٨) هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) (٤٩).
وفى السورتين يظل أمر ذى الكفل مجهولا ، فلا نعرف عنه إلا أنه ١ ـ كان من الصابرين. ٢ ـ ودخل لذلك فى رحمة الله. ٣ ـ وكان من الصالحين. ٤ ـ فاستحق لذلك أن يكون من الأخيار ، واستحق لتقواه أن يكون له المنقلب الحسن. ثم لا شىء أكثر من ذلك.
غير أنه قد ورد فى الحديث ما يلقى بعض الضوء على حياة ذى الكفل ، ويسهم فى بيان معنى الاسم ، فعن ابن عمر ، عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم فيما أخرجه الترمذى ، قال : «كان فى بنى إسرائيل رجل يقال له ذو الكفل ، لا يتورع من ذنب عمله ، فاتبع امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها ، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت ، فقال : ما يبكيك؟ قالت : من هذا العمل! والله ما عملته قط! قال : أأكرهتك؟ قالت : لا ، ولكن حملتنى عليه الحاجة. قال : اذهبى فهو لك! والله لا أعصى الله بعدها أبدا! ثم مات من ليلته ، فوجدوا مكتوبا على باب داره : إن الله قد غفر لذى الكفل». وفى هذا الحديث لا ذكر البتة لسبب التسمية بذى الكفل. فأمّا أن تكون كل فضيلته أن يستعصم عند ما تذكّره المرأة بعفتها وحاجتها ، فيتوب ويموت ليومه ، فهذا ليس سببا أن يأتى اسمه فيتلى قرآنا ، فكم من الصادقين فعلوا مثله وأكثر منه ولم يأت اسمهم فى القرآن! وكم من الصوفية المسلمين بهذا المقياس السابق يتفوقون عليه فضلا وأدبا وتقوى ، فهل نوليهم ما نولى ذا الكفل من الاحترام والقدسية والتبجيل؟ ثم إنه من السياق يبدو أنه كان فاسقا طوال حياته إلا هذا اليوم فقط الذى التقى فيه المرأة ، فهل يدرجه ذلك اليوم فى القرآن حتى ليوصف بأنه من الأخيار والصابرين والصالحين المتقين؟ وإنا لنستبعد لذلك أن يكون هذا الكلام غير الجامع حديثا ، ولم يعرف عن منهج رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن منه تفسير القرآن بالقصص. والأقرب إلى العقل أن الحديث من الإسرائيليات التى راجت بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوسلم. وفى رواية أخرى للحديث السابق يأتى أيضا فيما يقال أنه عن ابن عمر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : «كان ذو الكفل من بنى إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله ، فأتته امرأة أعطاها ستين دينارا على أن يطأها ، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت ، فقال : ما يبكيك؟ أأكرهتك؟ قالت : لا ، ولكنه عمل ما عملته قط ، وما حملنى عليه إلا الحاجة. فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته! اذهبى فهى لك! وقال :