وصلت إليه علوم الفضاء والجيولوجيا ، أطال الله فى عمره وأثابه عنا خير الثواب. وكان الشيخ طنطاوى جوهرى قد بدأ هذا الاتجاه ، ووجد صدى كبيرا لدى المثقفين والمستشرقين وأساتذة الجامعات ، وكان محل دهشة غير المسلمين. ولم تتوقف حركة التفسير مع استمرار تقدّم العلوم ، وستظهر شروح جديدة مع كل تقدم جديد ، وعلى مدار الأحقاب وتسلسل الأزمان ، وهو الدليل على إعجاز القرآن ، فمثل ما كتاب الكون المنظور لا تنتهى عجائبه ، فكذلك كتاب الله المقروء لن تنتهى عجائبه ، وسيجد أهل العلم فى ألفاظه وآياته صدى لمعارف الكون وعلومه : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٤٢) (فصلت) ، فشرط المفسر للقرآن : هو المعرفة الواسعة ، والصدق فى النية والقصد ، والاطّلاع على وجوه النقد التى يتولاها المستشرقون خاصة والعلمانيون ، ممن يقال فى تسميتهم الآن أنهم مستشرقون محليون ، أى ميولهم استشراقية وإن كانوا محسوبين على الإسلام ، ولسانهم عربى ، ولهم أسماء مسلمين ، وهؤلاء جعلوا هدفهم الاستخفاف بالقرآن والنبوة ، وانتقاص التراث. وصار على القارئ أن يحذر فى كتب التفسير القديمة الخرافات والإسرائيليات ، وفى كتب التفسير الحديثة أن يخرج المفسّر عن النص ، ويقنع بالاستطراد فى شرح المعارف الجديدة.
* * *
١٣٤. رشيد رضا وتفسير (المنار)
السيد محمد رشيد بن السيد على رضا ، من مواليد القلمون من جبل لبنان سنة ١٢٨٢ ه ، نشأ فى طرابلس الشام ، وهاجر إلى مصر ، واتصل بالشيخ محمد عبده سنة ١٣١٥ ه ، وكان أول ما اقترح عليه أن يكتب تفسيرا للقرآن بطريقته التى عرفت عنه ، والتى كان يكتب بها فى جريدة العروة الوثقى. وبدأ الشيخ فى إلقاء دروس التفسير على طلّاب الأزهر ، وكان الشيخ رشيد يحضرها ، ويكتب بعض ما يسمع ويزيد عليه ، ثم قام بنشر ما كتب فى مجلة المنار ، وطبعة فى أجزاء تحت اسم «تفسير القرآن الحكيم» ، واشتهر باسم «تفسير المنار» ، وظهر منها حتى وفاته سنة ١٣٥٤ اثنا عشر جزءا ، انتهت عند قوله تعالى : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (١٠١) (يوسف).
ولم يتقيّد الشيخ بأقوال السلف من المفسرين ، ولم يستعن بالإسرائيليات ، ولم يحاول أن يتعرّض للمبهمات فى القرآن بالحكايات ، واكتفى بشرح الآيات ، والرّد على الشبهات ، واهتم أن يصل بين معانى الآيات والأوضاع الاجتماعية العصرية ، بدعوى أن السابقين