٨٨٥. قصة الهدهد وسليمان
الملك النبىّ سليمان آتاه الله من فضله ، فقال لبنى إسرائيل على جهة الشكر لنعم الله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) (النمل ١٦) ، ولم يقل «لغة الطير» ، لأن الطير لا لغة له ، وإنما له حركات وسكنات ، وأصوات وأوضاع ، تأوّل معان بحسب منطق كل طائر. والمنطق هو ما ينطق عن حاله ، وفى قصة سليمان مع الهدهد ـ وهو طير معروف ، فإن هدهدته هى صوته ، وحركاته برقبته وجناحيه ، هى منطقه الخاص به ، واصطلح أهل العلم على أن دراسة هذه الأصوات والحركات من علوم الطيور ويسمون علمها «علم منطق الطيور» ، ورئيس هذه الدراسات هو النبىّ سليمان. وقصة هدهد سليمان كما يطرحها القرآن من أجمل قصص الحيوان والطير. وكان العرب يعرفون التطيّر ، ومن ذلك أن العرب كانوا يتطيّرون ، وتطيّر فرعون وقومه من موسى فقيل عنهم : (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) (الأعراف ١٣١) ، والطّيرة وزجر الطير نوع من قراءة منطق الطير ، فكان المتطيّرون يفزّعون الطير من وكناتها حتى تطير إما يمنة أو يسرة ، فإن طارت يمنة استبشروا ، وسمّوها لذلك السانح ، يعنى أنها تطير إلى اليمين أو تأتى منه ، ونقيضه البارح وهو أن يفزع إلى اليسار أو يأتى من ناحية الشمال. ومن الطيرة التطيّر بصوت الغراب ؛ والأصوات من نوع صوت الغراب ، أو هديل الحمام ، أو زقزقة العصافير ، من منطق الطير ، واختصّ به سليمان أولا. وقصة الهدهد مع سليمان تأتى فى سورة النمل ، وتستغرق تسع آيات ، وهى من الأدب الرمزى ، وقد يكون الله تعالى قد ضربها مثلا ، وقد تكون قصة حقيقية ، والصحيح أنها حقيقية ، لأن سليمان كانت له الشخصية التى تمتاز بالحدس القوى ، والملاحظة الشديدة ، والفهم الدقيق الواعى ، ومن ثم كان اهتمامه بدراسة هذا الباب من «علم الطيورOrnithology». وتبدأ القصة لمّا تفقّد سليمان الطير ، يطلب ما غاب عنه منه. والطير اسم جامع ، والواحد طائر ، والمراد به جنس الطير وجماعته. ولكن لما ذا يتفقد الهدهد بالذات؟ قيل إنه طائر يعتمد على منقاره الطويل ، ينقر به الأرض ، وسليمان فى رحلاته ، قد تنقطع به السبل فيستعين بالطير أو الجن ، والهدهد كان دأبه أن يرشد إلى مكان الماء فى باطن الأرض. ولتفقّد سليمان للطير فقه من باب واجبات الحاكم أن عليه أن يتعرّف أحوال رعيته ، ومثّل المسلمون الحاكم العادل بعمر بن الخطاب ، فلو أن سخلة ـ يعنى عنزة صغيرة ـ على ساحل الفرات ، أخذها الذئب ، لسئل عنها عمر! والهدهد مع صغر حجمه لم يخف حاله على سليمان ، ولمّا تفقده ولم يجده ، هدد بأن يعذّبه عذابا شديدا ، أو ليذبحنه ، أو ليأتينه بسلطان مبين يعنى سببا مقنعا لغيابه. وأى عذاب يمكن أن يعذّبه ملك نبى لطائر مسكين كالهدهد ، وإنما هو العدل ، وهو أساس الملك ، والحدّ على قدر الذنب لا