الملكة ، والملكة والذكور يطيرون فى موسم التزاوج ليكون أصلح الذكور هو الزوج الذى من نسله تخرج الأجيال. والنملة فى القصة من نوع النمل المقاتل المسمى Eciton ، ويتواجد فى الصحراء بخاصة ، وسليمان كان كثيرا ما يعبر الصحارى فى رحلاته ، وتكثر بها وديان النمل. ونملة سليمان كانت وقت مرورة فى دورة حراسة ، ومهمتها المراقبة والتحذير ، ومكانها يكون على أبراج من الطين يبنيها النمل وترتفع عن الأرض ، ربما لخمسة أمتار ، ليتسع مدى رؤيتها. «ومنطق النمل» : ليس لغة يلغو بها النمل ، ولكنه حركاته والمواد التى يفرزها ويعى النمل معناها. وللنمل حياة اجتماعية معقدة ، وله دراية شديدة بفصول ومواعيد الأمطار ، واختلاف الحرارة والضغوط الجوية ، والرياح وكيف يتّقيها ومداها وقوتها ، وكيف يحذر أعداءه ، وطريقة شن الحروب ، وكسبها ، وأسر القوات ، واستغلال الأسرى ، ومن أكثر أنواع النمل دربة وحنكة ودراية النوع المشهور باسم Tapinoma ، وهو يستطيع أن يخطط للمعارك ، ويقدّر حجم الأعداء ، ويرسم بسرعة لشغالة النمل كيفية الابتعاد عن مكامن الخطر ، وأن يحافظ على نفسه وعلى أعشاشه ، ويوجد فى الصحراء العربية. ولا نستبعد أن يعرف سليمان عن ذلك طالما يتقن المراقبة ويحذق الملاحظة ، وهما أساس كل دراية وعلم. وسليمان بوسعه أن يستنبط ما قالته النملة مما يجرى من حركاتها حول الأعشاش ، وحذر النمل جعله يبتسم ، وحنكة هذه النملة أضحكته ، ولكنه لا ينسى أن يشكر الله على ما حباه من أدوات المعرفة ، ومن الذكاء ، وما متّعه من عقلية علمية تحليلية استنباطية. والعلم لا ينجّى صاحبه ، ولا يرفعه ، إلا إذا استخدمه فى الخير ، وهذا ما دعا به سليمان ربّه : أن يعمل صالحا يرضاه ، ومن ثم يدخله ضمن عباده الصالحين ، قال : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (١٩) (النمل). ويذهب بعض الدارسين إلى أن للنمل صوتا ككل الكائنات ، وإنما يتدنّى صوت كل مخلوق سواء فى البهائم أو الطيور أو الحشرات بتدنّى هيئته ، وفى الإنسان يقاس الصوت بقيمة عشر البل ، وفى النمل بقيمة متدنية للغاية مناسبة له ، وفى ذلك معنى التسبيح فى قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء ٤٤) ، قيل لا تسمعون تسبيحهم ، وسليمان فى القصة يتمتع بقوة سمع خارقة ، كقوة البصر الخارقة عند زرقاء اليمامة ، وقوة العقل الخارقة عند من يطلقون عليهم فى الطب النفسى اسم العلماء الحمقى idiot ـ savants ، وهؤلاء لديهم القدرة على أداء العمليات الحسابية والرياضية بسرعة تفوق سرعة الكمبيوتر ، ومن ثم فحالة سليمان ليست بمستبعدة علميا.
* * *