وقيل إنه كان فى المحراب عند ما نظر من الكوة فأشرف على امرأة تغتسل فلما رأته غطت جسدها بشعرها ، فوقعت فى قلبه ، وبنى بها فحملت ولكنها أجهضت ، فعرف أن الله غاضب عليه ، ولازم المحراب حتى عفا عنه ربّه ـ فهكذا قال له الكهنة ، فحملت المرأة منه ثانية ، وفى هذه المرة ولدت ابنه سليمان! وقيل فى تشبيهه بالأخ صاحب التسع والتسعين نعجة ، هو أحسن تعريض فما كانت هناك نعاج ، ولم تكن لداود تسع وتسعون امرأة ، وربما كان هذا هو عدد نسائه جميعهن زوجات وسرارى ، والمقصود فى كل الأحوال ضرب المثل. ومعنى «اكفلنيها» أنزل لى عنها ، و «عزّنى فى الخطاب» أى غلبنى ، و «الخلطاء» ، الأصحاب. ولقد علم داود أنه قد فتن فاستغفر ربّه وتاب من خطيئته. وقيل إن داود مكث أربعين ليلة ساجدا حتى نبت العشب من دموعه على رأسه! وأكلت الأرض من جبينه! وهذا كلام يستحيل أن يتحقق! وهو من باب الأساطير الدينية اليهودية! وكان يقول فى سجوده : يا ربّ ، داود زلّ زلّة بعد بها ما بين المشرق والمغرب. ربّ ، إن لم ترحم ضعف داود وتغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثا فى الخلق من بعده! ـ وكأنه لا يهمه إلا كلام الناس عنه. وقيل : لمّا غفر الله له قرّبه ، وضرب به المثل فى الصبر ، فقال تعالى مخاطبا النبىّ صلىاللهعليهوسلم : (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (١٧) (ص) ، والصبر دليل النبوّة ، وكان داود ذا أيد ، يعنى قوى فى عبادته ، يصوم أشد الصوم وأفضله ، ويصلى أطول صلاة ، ويرتل أجود الترتيل ، فأعطاه الله المزامير ، يعنى ألهمه ، وقال : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣)) (النساء) ، والزبور هو المزامير ، وكانت تتنزل عليه بوحى من السماء ، وهى حكم ومواعظ وتسابيح وحمد وثناء على الله ، ولعن فيها الكافرين ، كقوله : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) (المائدة ٧٨). وحرّفت هذه المزامير مثلما حرّفت التوراة ، وزيد فيها وأنقص منها. وقيل : كان داود لا يأكل إلا من عمل يديه ، كقوله : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) (سبأ ١١) ، ومحتمل أن أكله من عمل يديه أنه كان صاحب ورشة يعمل فيها العمال. والسابغات التى كان يصنعها هى الدروع السابغة أى الكاملة ، وكانت قبله صفائح ، فكانت ثقالا ، فأمر بالتقدير فيها بحيث تجتمع فيها الخفة والحصانة ، فلا تقصد الحصانة فيها فقط فتثقل ، ولا تقصد الخفة فقط فتزول المنعة ، والسرد حلق الدرع ، ولذلك يسمى صانع الدروع بالسرّاد ، وقال تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) (سبأ ١٣) ، والخطاب فى الآية لداود وأهله ، وشكرهم لما حباهم به ربّهم فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (١٠) (سبأ) ، وفضله تعالى عليه فى تسعة أمور : الأول : النبوة ؛ والثانى : الزبور أو المزامير ؛ والثالث : العلم ، قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ