وسيم ، وكان أصغر أبناء أبيه الثمانية. وفى سفر صموئيل تبدو شخصيته مضطربة ولا تخلو من لوثات خطيئة ، وكذلك كان طالوت ولى نعمته ، وكان داود يعالج طالوت بالموسيقى ، فكلما أتت طالوت نوبات الجنون ، أسرع داود بالعزف والغناء له على قيثار ، وتعلّم السياسة فى بلاط طالوت ، واشتهر بحربه مع الفلسطينيين ، وقتاله جالوت بمقلاع وهو ابن أربع عشرة سنة ـ وهذا الكلام أيضا من باب المغالاة ، فاليهود صنعوا منه أسطورة ـ وانهزم جالوت لثقل ما عليه من دروع ، وكافأه شاول ـ أى كافأ داود ـ بأن زوّجه من ابنته ، وازدادت شهرة داود ، وغار منه شاول ، وأراد أن يقبض عليه فهرب ، وجمع حوله مجموعة من المطاريد والمضطهدين ، وانهزم شاول فى جلبوع أمام الفلسطينيين ، ومات فى المعركة أبناؤه الثلاثة ، وجرح جرحا خطيرا ، فانتحر بأن أسقط نفسه على سيفه ، وخلفه داود وكان فى الثلاثين من عمره ، وشبّت حرب أهلية بسبب توليه الملك ، وتزوج كثيرا وأنجب الكثير من الأولاد ، ووضع تصميم الهيكل وبنى مدينة داود ، وكان عدوانيا فدخل فى حروب مع جيرانه ، وعمل على أن يخلفه ابنه سليمان.
وتختلف صورة داود فى كتب اليهود عن صورته فى القرآن ، فعند اليهود هو من الملوك وليس من الأنبياء ، وفى القرآن هو «نبىّ ملك» ، وفيه قال تعالى : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢٥١) (البقرة) ، أى آتاه ملك طالوت الذى هو شاول ، كما آتاه نبوة صموئيل ، وتعلم فى بلاط شاول سياسة الملك والحرب والدين ، ودفع الله به البلاء عن قومه ، ولو لا ذلك لهلكوا. وفى القرآن : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) (٢٦) (ص) ، يعنى أن الله ملّكه ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فتخلف من كان قبلك من الأنبياء والأئمة الصالحين ، ولتحكم بما أنزل الله. وقيل إنه لمّا ظلم أوريا الحثّى ودفعه إلى الحرب ليقتل ويتزوج امرأته ، كانت له فى الخليل سبع نساء بخلاف السرارى ، ولما سكن أورشليم تزوج خمس زوجات بالإضافة إلى السابقات ، وكانت له سرارى كذلك ، ورغم كل هذا العدد من النساء طمع فى امرأة أوريا فكان مثله مثل الأخوين صاحبى النعاج ، كقوله تعالى : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) (٢٥) (ص) ،