ـ يخيّل إليهم أنهم يرون الربّ ، أو يسمعونه ، وما يرونه ليس إلا رؤيا وحلم ، فليس للربّ فمّ يكلّم الناس به ، ولا له هيئة يتعيّن بها. وأبدى الربّ غضبه على هارون ومريم لأنهما ألّبا القوم ضد موسى ، وكانت لمريم اليد الطولى فى استثارة الشعب فأصابها الربّ بالبرص ، وعرف أنهما من المغضوب عليهم ، وأسرعا إلى موسى ، فصرخ إلى الربّ يدعو لها بالشفاء ، واحتجزها خارج المحلة سبعة أيام كنوع من الحجر الصحى (العدد ١٢ / ١٥) ، فذلك ما حاول قوم موسى أن يؤذوه فى الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) (٦٩) (الأحزاب) ، والله تعالى برّأه من أن يكون زواجه بالحبشية محرّما ، ومعنى «وجيها» فى الآية أنه عظيم وأعظم من أن يجرّم. وما أصاب مريم من البرص أرجعه قومه لأسباب عائلية تخصّ موسى وإخوته ، وقالوا إن موسى نفسه مصاب بالبرص ، وأنه آدر ، أى منتفخ الخصية ، وأنه لذلك لا يستحم معهم ولا يريهم جسمه ، فلما اغتسل يوما وأطار الهواء ملابسه عدا عريانا خلفها ، فرآه قومه لا برص به ، ولا انتفاخ خصية ، فهذا هو ما برّأه الله منهما. وأيضا ، فإن موسى لما جاع شعبه وطلب اللحم ، اشتكى إلى ربّه ، وتشكك أن يجاب إلى طلبه ، حتى قال له ربّه : أيد الربّ تقصر»؟ فكان أن رزقهم السلوى ، فاجتمعوا عليها يأكلونها بشهية ، ولم يشكروا الله ، ولم يستغفروه عمّا قالوا لموسى عن ربّه ، فعاقبهم وجعل موتهم من شهيتهم ، فكل من طعم دون أن يستأذن موسى مات ، فكان الموتى بالآلاف ، ودفنوا فى قبور سميت «قبور الشهوة» ، فذلك تبرئة الله لموسى. وأيضا ، فإن قوم موسى وهارون ثاروا عليهما لمّا لم يجدوا ماء يشربون ويسقون بهائمهم ، فأمرهما الربّ أن يكلّما الصخرة فيخرج منها الماء ، ولكنهما بدلا من أن يكلّماها ؛ تناول موسى عصاه وضرب الصخرة بها مرتين ، فانفلقت وخرج الماء ، ولكن الله غضب منهما لأنهما لم ينفّذا ما أمرهما به ، فقضى عليهما بأن لا يدخلا الأرض التى وعد قومه بها ، وسمّى ماء هذا النبع لذلك «ماء الخصومة» ، لأن الربّ خاصم موسى وهارون ، ولأن موسى خاصم هارون الذى أشار عليه أن يضرب الصخرة بالعصا بدلا من أن يأمرها. وأيضا ، فلمّا طلب منهما الله أن يصعدا إلى جبل هود مع اليعازار بن هارون ليرسّم اليعازار بدلا من أبيه كاهنا أكبر على الشعب ، امتثل الثلاثة للأمر ، ولكن هارون توفى فوق الجبل ودفنه موسى وابنه ، وعادا فاتّهمهما الشعب بأنهما قتلا هارون! وبكوا هارون ، وظل حزنهما عليه إلى أن برّأه الله من قتله ، وأوعز إليهم أن موسى لم يقتله كما ظنوا ، فتلك هى تبرئة موسى. وأيضا ، فإن قوم موسى دسّوا عليه امرأة تدّعى عليه الفجور ، ووصف ذلك القرآن فقال : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ