ينسب «الذى يسعى» لقومه ، فالعرب قالوا اسمه حبيب بن مرّى النجار ـ أو الإسكاف ، أو القصّار ، نسبة إلى مهنته ، والقائل بهذا الاسم ومروّجه : وهب بن منبّه ، والاسم عربى ، لكن الحكاية كلها بمقالة وهب بن منبه من الإسرائيليات. وقيل : إن حبيبا كان من أهل أنطاكية ، واختيارها كموضع لقصة الرسل الثلاثة ، و «للرجل الذى جاء من أقصى المدينة يسعى» ، لأنها مدينة عالمية فيها من جميع الجنسيات ، وأهلها خليط من الرومان والسريان واليهود والإغريق والعرب ، وكانت ثالث مدن الإمبراطورية الرومانية بعد روما والإسكندرية وكتّاب السّير أعطوا «الرجل الذى جاء من أقصى المدينة يسعى» اسم صاحب يس. والغريب فى قصة وهب عن «الرجل الذى يسعى» ، أنه قال عنه إنه جاء من أقصى المدينة لأنه كان مريضا بالجذام ، ولهذا كان يسكن فى الأطراف. ومنطق «الذى يسعى» فى إيمانه بالرسل ومتابعتهم على دعواتهم ، أنهم لا يسألون الناس أمرا لأنفسهم ، وكذلك المؤمن لا يطلب أجرا على إيمانه ، ومن فلسفته : أن الإيمان فطرى فى الإنسان ، وأن العقل ليأبى أن نعبد من لا تغنى شفاعتهم شيئا ، ولا من لا يرفع ضرّا ، ولا يشفى مرضا ولا يفرّج كربة ، وإنه لضلال أى ضلال أن يلجأ الناس لغير الله. ووجّه خطابه للمرسلين فأقرّ بربّهم الذى يدعون إليه ، ويبدو أن إقراره المفاجئ أذهل أهل القرية الكفرة ، ولا بد أنه أوقع بينهم الاضطراب ، وأن الأيدى امتدت واشتبك الناس ، ولا بد أنه قد أصيب وقضى نحبه ، فلما مات قال له الله تعالى مؤبنا : ادخل الجنة مع الصدّيقين والأنبياء والأبرار ، فدخلها وعاش بها يرزق حيا كما وعد الله ، وقد ذهب عنه سقم الدنيا ونصبها ، وتركه يأسه من خسّة أهلها ، وزاد الله تعالى فى إكرامه لإيمانه وصبره واستشهاده ، فتمنّى لو يعلم قومه بحاله وحسن مآله ، فكان فريدا فى حياته وبعد مماته ، ونصح قومه لمّا كان بينهم ، وما يزال ينصحهم بعد أن غادرهم وتوفى عنهم كما جاء فى القرآن ، فصار مضرب الأمثال ، فقيل : اثنان فى القرآن لم يكفرا بالله طرفة عين : مؤمن آل فرعون فى سورة غافر ، وصاحب يس فى سورة يس ، وكلاهما كان صدّيقا.
* * *
٨٥١. موسى أوذى من قومه فبرّأه الله
فى التوراة اليهودية أن موسى تزوّج امرأة حبشية ، وأغضب ذلك قومه ، وتكلم فيه أخوه هارون وأخته مريم ، وفكّرا فى استحداث انقلاب ضده ، فليس هو وحده يكلّمه الربّ ، وكلّمهما الربّ كما كلّم موسى (العدد ١٢ / ١) ، وقال لهما إن ما يظنانه الربّ هو شبه الربّ ، يعنى الربّ فى صورة يمكن أن يقبلاها كبشر ، وقال إنهما ـ أو أى من الأنبياء