يفرضه عليهم عدوهم. ومشكلة موسى مع السلطة تحكيها الآيات : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) (١٩) (القصص) ، فالجرم الذى أراد «الذى جاء من أقصى المدينة» أن يفلت به موسى ولا يعاقب بشأنه ، كان قتل نفس لسبب واه ، وإنما لأن المسألة أخذت بعدا عنصريا ، فإن موسى انتصر للعبرانى ضد خصمه ، ولا يرد فى القصة أن الخصم مصرى ، ولكن القصة جرت فى جاسان من إقليم مصر على الحدود الشرقية ، وكان يستعمره الأغراب ويحكمه جبابرة الأشوريين الذين سمّاهم مانيتون «الهكسوس أو الملوك الرعاة» ، وهم آشوريون محاربون وكانوا يلقبون بالفراعنة ، واحدته «فرعون». والمدينة : هى ثكنة عسكرية لجنود الأشوريين ، ولذلك انتهج العبرانيون تجاهها النهج العسكرى ، واتخذوا العنف وسيلة لرفع الظلم عنهم. «والرجل الذى جاء من أقصى المدينة» ولو أنه يبدو فيما نقل إلى موسى ـ واشيا وجاسوسا ، إلا أنه فيما فعل كان مدفوعا بحماسه العنصرى أو القومى كحماس موسى ، ورأى فى الخروج من البلد إلى خارج حدودها خلاصا لموسى. وموسى كان يرى أنه كان مظلوما ، وكذلك رأى «الرجل الذى جاء من أقصى المدينة» أن موسى قد ظلم ، وذلك فقط فى النسخة العربية للقصة كما يوردها القرآن. أما فى النسخة العبرية التى يوردها التوراة (الخروج ٢ / ١١) فموسى متعمد للقتل ، وبلغ به حبّ العنف أن قام بدفن الجثة بعد أن قتل صاحبها. وفى نسخة التوراة يرد أنه مصرى على عكس رواية القرآن ، كما يرد أن السلطة مصرية وهو غير صحيح تاريخيا. وفى رواية القرآن كان الشجار الثانى بين نفس العبرانى صاحب الشجار الأول وخصم آخر من عدوه ، ولقد عاب موسى على العبرانى مواصلته للشجار ووصفه بأنه «غوىّ» ، يعنى أنه يهوى الشجار ، أو أنه غوى من الغواية ، يريد أن يغوى موسى ثانية ليتورط مثلما تورط فى المشاجرة الأولى ، فلذلك عنف موسى معه ، فظنه يريد قتله كما قتل الآخر بالأمس ، فهدده أن يفشى سرّه ، فخاف موسى ، وفى رواية التوراة : أن الشجار الثانى كان بين عبرانيين ، أحدهما صاحب الشجار الأول ، فلما نهاه موسى عن ضرب العبرانى مثله ، رفض أن ينصاع لأمره ، وهدّده بالإبلاغ