٨٤٥. قصة قارون مع موسى
يأتى عن قارون فى القرآن أربع مرات فى سورة العنكبوت وغافر ، والقصص ، وتقرن قصته مع موسى بقصتىّ فرعون وهامان ، يقول تعالى : (وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ) (العنكبوت ٣٩) ، فقارون استكبر بالمال ، وفرعون استكبر بالسلطة ، وهامان استكبر بالقوة ، وكان قارون من أغنى الأغنياء وشحيحا مقترا إلا على نفسه ، وفرعون كان طاغية مستبدا وادّعى الألوهية ، وما كان لأحد أن يقضى فى أمر إلا بما يقول ؛ وهامان كان وزير فرعون وقائد جنده ، وله الهيلمان ، ويحكم فى الأرض بما يشاء. وبلغ من شدة كبر هؤلاء الثلاثة أن كذّبوا أنه يوجد من يعلو عليهم ، حتى وإن زعم موسى أن من يعلوهم جميعا هو الله ، وأنكروا البعث والحساب ، فقال موسى فيهم : (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) (٢٧) (غافر) ، والمتكبّر هو المتعظّم عن الإيمان بالله ، وصفه بأنه لا يؤمن بيوم الحساب ، واتهم الثلاثة موسى لما عجزوا عن معارضته بأنه «ساحر كذاب» ، وحملوا معجزاته على السحر ، وسخّفوا آياته ، وأنكروا حججه المرئية والمحسوسة وأبطلوها ، وأدانوا الذين آمنوا بموسى ، وقضوا فيهم بقتل أبنائهم ، واستحياء نسائهم.
فأما قارون وحده فتناولته سورة القصص فى سبع آيات ، تقول : (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) (٨٢) ، وقوله : (مِنْ قَوْمِ مُوسى) يعنى كان عبرانيا من بنى إسرائيل ، والذين قالوا إنه كان ابن عم موسى لا دليل لهم عليه ، وقال آخرون كان ابن خالته ، والصحيح أن قرابته الوحيدة بموسى هى قرابة العرق العبرانى ولا أكثر من ذلك. وقارون على وزن فاعول ، عبرانى ، مثل «هارون» ، و «شارون» ، وما راعى قارون قرابة العرق ، وبغى على قومه ، ولم