الأحمر منها إلى النيل ، وكان للنيل مع ذلك ترع تصب هناك ، ولكنها لم تكن ما اصطلحنا عليه باسم النيل. فأما هامان فيرد اسم كاسمه فى سفر إستير من أسفار اليهود ، ويحكى عن وزير بهذا الاسم كان يكره اليهود فى آشور وفارس ويكيد لهم. وقول فرعون لهامان : (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) (٣٦) (غافر) هو خير وأقوى دليل على أن هذا الفرعون هو من الهكسوس أو الأشوريين مثله مثل هامان ، وذلك أن تفكير الأشوريين كان نمطه بناء الأبراج ، مثل برج بابل الشهير ، وأول ما تبادر إليه ذهن هذا الفرعون أو الحاكم هو أن يعلو فى السماء بواسطة برج لينظر إله موسى ، كتفكير الناس فى بلده آشور وفارس ، ثم إن فرعون تأكيدا لما سبق ، قال أيضا : (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٣٨) (القصص) ، فلم يطلب من هامان صرحا أو برجا من الحجارة كطريقة المصريين ، ولكنه طلبه من الطين المحروق بالنار ، يعنى من الطوب اللبن ، يحرق حتى يحمر لونه كطريقة البابليين ، ولو كان مصريا لطلب من وزيره أن يعدّ له هرما ، أو مسلة من الحجارة ، ولكنه طلب صرحا أو برجا من الطين كعادة البابليين. وفى الآية بعد الآية السابقة : (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) (القصص ٣٩) ، فلو كان مصريا لاستكبر هو وكهنته ، لأن أكبر سلطة فى مصر كانت للكهنة. ولعل أكبر تحريف وتزوير فى التاريخ المصرى القديم أن المؤرخين من الإفرنج كانوا مدفوعين بحكم ثقافتهم التوراتية إلى الحديث عن مصر القديمة باسم «مصر الفرعونية» وطاوعناهم على ذلك ، ولم يضعوا فى اعتبارهم أن اسم فرعون أجنبيّ وليس مصريا. وكذلك لم يلحظ مفسرو القرآن أن الآية تقول «هو وجنوده» ولم تقل «هو وكهنته» ، ولو قالت : «هو وكهنته» لكان معنى ذلك أن الملك مصرى ، ولكن قولها «هو وجنوده» معناه أن هؤلاء كانوا مستعمرين ، وكانوا دائما كمستعمرين فى حالة طوارئ ، وأن أرض جاسان كانت مستعمرة أو مستوطنة عسكرية من هؤلاء الأغراب. وقوله تعالى بعد ذلك (فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) (القصص ٤٠) دليل آخر على أن وقائع القصة لم تكن على أرض النيل فلم يحدث فى التاريخ أن تسمى نيل مصر باليم ، واليم كلمة كما قيل أجنبية وليست عربية ، وهى من لغة أهل بابل ، والمقصود بها الترعة. وفى الآية (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) (١٠) (الفجر) دليل آخر على أن فرعون هذا لم يكن مصريا ، فمعنى «ذو أوتاد» ، أنه يسكن الخيام ، ولم يسكن المصريون الخيام إطلاقا ، وسكنى الخيام للبدو الرّحّل وليست للمزارعين ، فهذا دليل على أن فرعون وهامان لم يكونا مصريين ، مثلهما مثل قارون وموسى وهارون.
* * *