لغات أقوام من الأقليات المنتشرة فى العالم. ويساعد على ترجمة الأناجيل حركة التبشير التى تعم البسيطة كلها ، واشتغال القساوسة الدعاة بالوعظ بلغات الناس التى يتكلمونها يوميا ، ولذلك فقد ترجموا الأناجيل إليها دون أن يحفلوا بما نسميه بلاغة الترجمة ، فالمهم نقل المعنى بأبسط أسلوب يمكن أن يفهمه الناس. والقرآن اشتغل بترجمته المستشرقون أولا ، ليطعنوا فيه ، ويردّوا على ما جاء به من تصحيحات للديانات. وكان أول من بدأ الهجوم على القرآن يوحنا الدمشقى (نحو ٦٥٠ ـ ٧٥٠ م) ، وتوجه نقده للنسق العام للقرآن ، وتابعه إيثومس زيجابنيوس فى كتابه «العقيدة الشاملة». وكانت أول ترجمة للقرآن بين سنتى ١١٤١ و ١١٤٣ م ، وكانت اللغة اللاتينية هى لغة القساوسة والمشتغلين بالدراسات الإنسانية والأدب ، وترجم القرآن بها بناء على توصية من بطرس المبجّل راهب ديركلونى بفرنسا ، وقام بالترجمة روبرت لرتينى الإنجليزى ، وهيرمان الهركاشى الألمانى ، وراهب أسبانى عربى ، ولم تنشر هذه الترجمة إلا بعد أربعة قرون.
وتسبب هذا الهجوم على القرآن والإسلام من قبل إمبراطور بيزنطه جان كانتا كوزين ، فى إقدام كثيرين من النصارى على نقد القرآن بمختلف اللغات ، حتى باللغات السريانية والإرمينية والعربية. ولم يتوقف هذا الهجوم المدفوع إليه من قبل الدولة البيزنطية إلا بسقوط هذه الدولة وفتح القسطنطينية سنة ١٤٥٣ م ، واستمرت الهجمات النصرانية ، تحضّ على كراهية القرآن ، وتضرم نيران البغضاء لأهله ولنبيّه ، وكان للكنيسة الكاثوليكية قصب السبق فى ذلك ، وتزعم هذه الحملات الكردينال نيقولا دى كوسا ـ وهو المعدود من فلاسفة النصرانية (١٤٠١ م ـ ١٤٦٤ م) ، بإيعاز وتشجيع بابا روما بيوس الثانى ، ونشر رسالته الشائهة «غربلة القرآن» سنة ١٥٤٣ م ، وتوجه اهتمامه إلى استخراج الإقرارات الواردة فى القرآن بالنصرانية وبالمسيح والأناجيل ، واستعرض مخالفات القرآن للنصرانية كما تطرحها الكاثوليكية ، ونبّه إلى ما ظنه تناقضات وردت فى القرآن. وتوالت الكتب المعادية تباعا ، يحبّرها قساوسة الدومينكان والجزويت ، ومن ذلك بالفرنسية كتاب ميشيل نان «ضد القرآن والقرآنيين دفاعا وبرهانا» سنة ١٦٨٠ م ، غير أن أشرس النصارى هجوما كان لودفيجو ماراتش الإيطالى (١٦١٢ ـ ١٧٠٠ م) فى كتابه «عالم النصّ القرآنى» سنة ١٦٩٨ م فى مجلدين ، أعطى الأول اسم «مقدمة فى دحض القرآن» ، وقصر الثانى على ترجمة القرآن إلى اللاتينية ، وضمّن الكتاب حواشى للتفسير والشرح والنقد ، وأرفق بالترجمة النص العربى ، وفيما يبدو فإن ماراتش هذا كان يعرف العربية وإنما معرفة عرجاء ، فجاءت ترجمته سيئة للغاية ، وحافلة بالأخطاء ، ونقده ساذجا وغير منطقى ويعتمد على المغالطات.