(ناراً) أي هائلة شديدة العذاب (وَكانَ ذلِكَ) أي إصلاؤه النار (عَلَى اللهِ يَسِيراً) هينا عليه ، لا عسر فيه ولا صارف عنه. لأنه تعالى : لا يعجزه شيء.
قال النسفيّ : وهذا الوعيد في حق المستحل للتخليد. وفي حق غيره ، لبيان استحقاقه دخول النار مع وعد الله بمغفرته. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٣١)
(إِنْ تَجْتَنِبُوا) أي تتركوا (كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) أي كبائر الذنوب التي نهاكم الشرع عنها ، مما ذكر هاهنا ومما لم يذكر (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي صغائر ذنوبكم ، ونمحها عنكم ، وندخلكم الجنة. كما قال تعالى (وَنُدْخِلْكُمْ) في الآخرة (مُدْخَلاً كَرِيماً) أي حسنا وهي الجنة. و (مدخلا) قرئ بضم الميم ، اسم مكان أو مصدر ميميّ. أي إدخالا مع كرامة. وبفتح الميم ، وهو أيضا يحتمل المكان والمصدر. وفي الآية دليل على أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر. وردّ على من قال : إن المعاصي كلها كبائر ، وإنه لا صغيرة.
قال الإمام ابن القيّم في (الجواب الكافي) : قد دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة ، والتابعين بعدهم ، والأئمة ، على أن من الذنوب كبائر وصغائر. قال الله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ). وقال تعالى : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم : ٣٢]. وفي الصحيح (١) عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان ، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. وهذه الأعمال المكفرة لها ثلاث درجات : إحداها أن تقصر عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الإخلاص فيها والقيام بحقوقها. بمنزلة الدواء الضعيف الذي ينقص عن مقاومة الداء كمية وكيفية. الثانية ـ أن تقاوم الصغائر ولا ترتقي إلى تكفير شيء من الكبائر. الثالثة ـ أن تقوى على تكفير الصغائر وتبقي فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر. فتأمل هذا فإنه يزيل عنك إشكالات كثيرة.
__________________
(١) أخرجه مسلم في : الطهارة ، حديث ١٨.