نظام المعاش والمعاد. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) : من فارق الجماعة قيد شبر لم ير بحبوحة الجنة. وقال (٢) : الله مع الجماعة. ألا ترى أن الجمعية الإنسانية إذا لم تنضبط برئاسة القلب ، وطاعة العقل ، كيف اختل نظامها ، وآلت إلى الفساد والتفرق ، الموجب لخسار الدنيا والآخرة. ولما نزل قوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) ، خط رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطّا فقال (٣) : هذا سبيل الرشد ، ثم خط عن يمينه وشماله خطوطا فقال : هذه سبل ، على كل سبيل شيطان يدعو إليه.
الثالث : قال شيخ الإسلام تقيّ الدين ابن تيمية ، قدسسره ، في أول كتابه (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) : وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولا عامّا يعتقد مخالفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في شيء من سنته ، دقيق ولا جليل ، فإنهم متفقون اتفاقا يقينيّا على وجوب اتباع الرسول ، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك ، إلا الرسول صلىاللهعليهوسلم. ولكن إذا وجد لواحد منهم قول ، قد جاء حديث صحيح بخلافه ، فلا بد له من عذر في تركه ، وجماع الأعذار ثلاثة أصناف :
أحدها ـ عدم اعتقاده أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قاله ،
الثاني ـ عدم اعتقاده أنه أراد تلك المسألة بذلك القول ،
الثالث ـ اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.
وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة ـ ثم أوسع المقال في ذلك.
وذكر قدسسره ، في بعض فتاويه ، أن السلف والأئمة الأربعة والجمهور يقولون : الأدلة بعضها أقوى من بعض في نفس الأمر. وعلى الإنسان أن يجتهد
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الفتن ، ٢ ـ باب قول النبي صلىاللهعليهوسلم : سترون بعدي أمورا تنكرونها ، حديث ٢٥٤٦ ونصه : عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه ، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية».
(٢) أخرجه الترمذيّ في : الفتن ، ٧ ـ باب ما جاء في لزوم الجماعة ، ونصه : عن ابن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله لا يجمع أمتي ، (أو قال أمة محمد صلىاللهعليهوسلم) على ضلالة ، ويد الله مع الجماعة ، ومن شذّ شذّ إلى النار».
(٣) أخرجه الدارميّ في : المقدمة ، ٢٣ ـ باب في كراهية أخذ الرأي ونصه : عن عبد الله بن مسعود : خط لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما خطّا ثم قال «هذا سبيل الله» ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال «هذه سبل. على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه». ثم تلا : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ).