ولذلك كان أخشى الناس لجلاله ، ولذلك قال : «اني لاعلمهم بالله واشدهم له خشية». وقال : «أما والله اني لأخشاكم لله وأتقاكم له». وكان من دعائه : «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك» ومنه : «وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة».
ولقد تعرض القشيري للكلام عن قوله تعالى : «إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» فقال : «انما : كلمة تحقيق تجري من وجه مجرى التحديد ، أي التخصيص والقصر ، فمن فقد العلم بالله فلا خشية له من الله. والفرق بين الخشية والرهبة أن الرهبة خوف يوجب هرب صاحبه ، فيجري في هربه ، والخشية اذا حصلت كبحت جماح صاحبها ، فيبقى مع الله ، فقدمت الخشية على الرهبة في الجملة. والخوف قضية الايمان ، قال تعالى : «وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ». والخشية قضية العلم ، والهيبة توجب المعرفة.
ويقال : خشية العلماء من تقصيرهم في أداء حقه ، ويقال : من استحيائهم من اطلاع الحق ، ويقال : حذرا من أن يحصل لهم سوء أدب أو ترك احترام ، أو انبساط في غير وقته باطلاق لفظ ، أو ترخّص خ بترك الأولى».
ويقول أبو بكر الوراق : «من صحت معرفته بالله ظهرت عليه الهيبة والخشية».
واذا كان القرآن يقول في سورة الأحزاب :
«الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً»(١).
__________________
(١) سورة الاحزاب ، الآية ٣٩.