الكفارات ، وهو قول زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر ، وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم وسليمان بن يسار وعطاء والحسن ، وقال أهل العراق : لكل مسكين مدّان ، وهو نصف صاع ، يروى ذلك عن عمر وعليّ رضي الله عنهما ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : إن أطعم من الحنطة فنصف صاع ، وإن أطعم من غيرها فصاع ، وهو قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير ومجاهد والحكم ، ولو غدّاهم وعشاهم لا يجوز ، وجوّزه أبو حنيفة رضي الله عنه ، ويروى ذلك عن عليّ رضي الله عنه ، ولا تجوز الدراهم والدنانير ولا الخبز ولا الدقيق ، بل يجب إخراج الحبّ إليهم ، وجوّز أبو حنيفة رضي الله عنه كل ذلك ، ولو صرف الكل إلى مسكين واحد لا يجوز ، وجوّز أبو حنيفة أن يصرف طعام عشرة إلى مسكين واحد في عشرة أيام ، ولا يجوز أن يصرف إلّا إلى مسلم حرّ محتاج ، فإن صرف إلى ذمي [أو عبد أو غني لا يجوز](١) ، وجوّز أبو حنيفة رضي الله عنه صرفها إلى أهل الذمة واتّفقوا على أنّ صرف الزكاة إلى أهل الذمة لا يجوز. قوله تعالى : (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) ، أي : من خير قوت عيالكم ، وقال عبيدة السلماني : الأوسط الخبز والخلّ ، والأعلى الخبز واللحم ، والأدنى الخبز البحت والكل مجز ، قوله تعالى : (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) ، كلّ من لزمته كفارة اليمين فهو فيها إن شاء أطعم عشرة من المساكين ، وإن شاء كساهم ، وإن شاء أعتق رقبة ، فإن اختار الكسوة ، فاختلفوا في قدرها ، فذهب قوم إلى أنه يكسو كلّ مسكين ثوبا واحدا مما يقع عليه اسم الكسوة ، إزار أو رداء أو قميص [أو سراويل](٢) أو عمامة أو كساء أو نحوها ، وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وعطاء وطاوس ، وإليه ذهب الشافعي رحمهالله تعالى ، وقال مالك : يجب لكل إنسان ما تجوز فيه صلاته ، فيكسو الرجال ثوبا واحدا والنساء ثوبين درعا وخمارا ، وقال سعيد بن المسيب : لكل مسكين ثوبان ، قوله عزوجل : (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) ، وإذا اختار العتق يجب إعتاق رقبة مؤمنة ، وكذلك جميع الكفارات ، مثل كفارة القتل والظهار والجماع في نهار رمضان ، يجب فيها إعتاق رقبة مؤمنة ، وأجاز أبو حنيفة رضي الله عنه والثوري رضي الله عنه إعتاق الرقبة الكافرة في جميعها إلّا في كفارة القتل ، لأن الله تعالى قيّد الرقبة فيها بالإيمان ، قلنا : المطلق يحمل على المقيّد كما أن الله تعالى قيّد الشهادة بالعدالة في موضع ، فقال : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢] ، وأطلق في موضع فقال : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) [البقرة : ٢٨٢] ، ثم العدالة شرط في جميعها حملا للمطلق على المقيّد ، كذلك هاهنا (٣) ، ولا يجوز إعتاق المرتد بالاتفاق عن الكفارة ، ويشترط أن يكون سليم الرقّ حتى لو أعتق عن كفارته مكاتبا أو أم ولد أو عبدا اشتراه (٤) بشرط العتق أو اشترى قريبة الذي يعتق عليه بنية الكفارة ، يعتق ولكن لا يجوز عن الكفارة ، وجوّز أصحاب الرأي عتق المكاتب إذا لم يكن أدّى شيئا من النجوم ، وعتق القريب عن الكفارة ويشترط أن تكون الرقبة سليمة من كل عيب يضرّ بالعمل ضررا بيّنا حتى لا يجوز مقطوع إحدى اليدين ، أو إحدى الرجلين ، ولا الأعمى ولا الزّمن ولا المجنون المطبق ، ويجوز الأعور والأصم ومقطوع الأذنين والأنف لأن هذه العيوب لا تضرّ بالعمل ضررا بيّنا ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه كلّ عيب يفوّت جنسا من المنفعة [على الكمال](٥) يمنع الجواز ، حتى جوّز مقطوع إحدى اليدين ، ولم يجوز مقطوع الأذنين. قوله عزوجل : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) ، إذا عجز الذي لزمته كفارة اليمين عن الإطعام والكسوة وتحرير الرقبة ، يجب عليه صوم ثلاثة أيام ، والعجز أن لا يفضل من
__________________
(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «هذا».
(٤) في المطبوع «اشتري».
(٥) زيادة عن ط.