الْحَقِ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء : يريد النجاشي وأصحابه قرأ عليهم جعفر بالحبشة (كهيعص (١)) [مريم : ١] ، فما زالوا يبكون حتى فرغ جعفر من القراءة. (يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ، يعني : أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، دليله قوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة : ١٤٣].
(وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِ) ، وذلك أن اليهود عيّروهم وقالوا لهم : لم آمنتم؟ فأجابوهم بهذا ، (وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) ، أي : في أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، بيانه أن الأرض يرثها عبادي الصالحون.
(فَأَثابَهُمُ اللهُ) ، أعطاهم الله ، (بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) ، وإنّما أنجح قولهم وعلق الثواب بالقول لاقترانه بالإخلاص ، بدليل قوله : (وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) ، يعني : الموحدين المؤمنين ، وقوله : (تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِ) ، يدل (١) على أن الإخلاص والمعرفة بالقلب مع القول يكون إيمانا.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦)).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) ، الآية.
[٨١٨] قال أهل التفسير : ذكر النبيّ صلىاللهعليهوسلم الناس يوما ووصف القيامة فرق له الناس وبكوا ، فاجتمع عشرة من أصحابه في بيت عثمان بن مظعون الجمحي ، وهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو ، وأبو ذر الغفاري ، وسالم مولى أبي حذيفة ، والمقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، ومعقل بن مقرن رضي الله عنهم ، وتشاوروا واتفقوا على أن يترهبوا ويلبسوا المسوح ويجبوا مذاكيرهم ، ويصوموا الدهر ، ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش ، ولا يأكلوا اللحم والودك ولا يقربوا النساء والطيب ويسيحوا في الأرض ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأتى دار عثمان بن مظعون فلم يصادفه فقال لامرأته أم حكيم بنت أبي أمية ـ واسمها الحولاء ـ (٢) وكانت عطارة : «أحقّ ما بلغني عن زوجك وأصحابه»؟ فكرهت أن تكذب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكرهت أن تبدي على زوجها ، فقالت : يا رسول الله إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك وانصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما دخل عثمان أخبرته بذلك فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو وأصحابه ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألم أنبأ أنكم اتفقتم على كذا وكذا»؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، وما أردنا إلا الخير ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «إني لم أؤمر بذلك» ، ثم قال : «إن لأنفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا ، فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر ، وآكل اللحم والدسم وآتي النساء ، فمن رغب عن سنّتي فليس مني» ، ثم جمع الناس وخطبهم فقال : «ما بال أقوام حرّموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا؟ أما إني فلست (١) آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ، ولا اتخاذ الصوامع وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتهم الجهاد اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وحجّوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتوا
__________________
[٨١٨] ـ ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤١١ بدون إسناد نقلا عن المفسرين وأخرجه الطبري ١٢٣٤٨ عن قتادة و ١٢٣٤٩ عن السدي بنحوه مرسلا.
وأصل الخبر عند البخاري ٥٠٦٣ ومسلم ١٤٠١ والنسائي (٦ / ٦٠) من حديث أنس.
(١) في «أسباب النزول» : «لست» بدون الفاء.
__________________
(١) في المخطوط «فدل».
(٢) في المطبوع وط «الخولاء».