أعطتها خمسين دينارا فردته وقالت : أمرني الملك أن لا آخذ منك شيئا ، وقالت : أنا صاحبة دهن الملك وثيابه ، وقد صدقت محمدا صلىاللهعليهوسلم وآمنت به ، وحاجتي منك أن تقرئيه مني السلام ، قالت : نعم ، قالت أبرهة : وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بما عندهن من عود وعنبر ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يراه [عليها و](١) عندها فلا ينكر ، قالت أم حبيبة : فخرجنا إلى المدينة ورسول الله صلىاللهعليهوسلم بخيبر ، فخرج من خرج إليه وأقمت بالمدينة حتى قدم النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فدخلت عليه فكان يسألني عن النجاشي فقرأت عليه من أبرهة السلام فردّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأنزل الله عزوجل : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) [الممتحنة : ٧] ، يعني : أبا سفيان مودة ، يعني : بتزويج أم حبيبة ، ولما جاء أبا سفيان تزويج أم حبيبة ، قال : ذلك الفحل لا يقرع أنفه ، وبعث النجاشي بعد قدوم جعفر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ابنه أزهى بن أصحمة بن أبجر في ستين رجلا من الحبشة ، وكتب إليه : يا رسول الله أشهد أنك رسول الله صادقا مصدّقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت لله ربّ العالمين ، وقد بعثت إليك ابني أزهى ، وإن شئت آتيك بنفسي فعلت والسلام عليك يا رسول الله ، فركبوا سفينة في أثر جعفر وأصحابه حتى إذا كانوا في وسط البحر غرقوا ، ووافى جعفر وأصحابه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سبعين رجلا عليهم ثياب الصوف ، منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام ، فقرأ عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم سورة يس إلى آخرها ، فبكوا حين سمعوا القرآن [وآمنوا] وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليهالسلام ، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) ، يعني : وفد النجاشي الذين قدموا مع جعفر وهم السبعون ، وكانوا أصحاب الصوامع.
وقال مقاتل والكلبي : كانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة ، وثمانية من أهل الشام.
وقال عطاء : كانوا ثمانين رجلا أربعون من أهل نجران من بني الحارث بن كعب ، واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام.
وقال قتادة : نزلت في ناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحقّ مما جاء به عيسى عليهالسلام ، فلما بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم صدّقوه وآمنوا به فأثنى الله عزوجل بذلك عليهم. (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ) ، أي : علماء ، قال قطرب : القس والقسيس العالم بلغة الروم ، (وَرُهْباناً) ، الرهبان العباد أصحاب الصوامع واحدهم راهب ، مثل فارس وفرسان ، وراكب وركبان ، وقد يكون واحدا وجمعه رهابين ، مثل قربان وقرابين ، (وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) ، لا يتعظّمون عن الإيمان والإذعان للحق.
(وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧))
(وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) ، محمد صلىاللهعليهوسلم ، (تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ) ، تسيل ، (مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ
__________________
(١) سقط من المطبوع.