اتَّخَذُوهُمْ) ، يعني : الكفار ، (أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) ، أي : خارجون عن أمر الله سبحانه وتعالى.
قوله عزوجل : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) ، يعني : مشركي العرب ، (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) ، لم يرد به جميع النصارى لأنهم في عداوتهم المسلمين كاليهود في قتلهم المسلمين ، وأسرهم وتخريب بلادهم وهدم مساجدهم وإحراق مصاحفهم ، لا ولا كرامة لهم ، بل الآية فيمن أسلم منهم مثل النجاشي وأصحابه. [وقيل : نزلت في جميع اليهود وجميع النصارى ، لأن اليهود أقسى قلبا والنصارى ألين قلبا منهم ، وكانوا أقل مظاهرة للمشركين من اليهود](١).
[٨١٧] قال أهل التفسير : ائتمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم ، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يؤذونهم ويعذّبونهم ، فافتتن من افتتن ، وعصم الله منهم من شاء ، ومنع الله تعالى رسوله بعمّه أبي طالب ، فلما رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما بأصحابه ولم يقدر على منعهم ولم يؤمر بعد بالجهاد أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة ، وقال : «إنّ بها ملكا صالحا لا يظلم ولا يظلم عنده أحد ، فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا».
وأراد به النجاشي واسمه أصحمة وهو بالحبشة عطية ، وإنما النجاشي اسم الملك ـ كقولهم قيصر وكسرى ـ فخرج إليها سرا أحد عشر رجلا وأربع نسوة ، وهم عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود ، وعبد الرحمن بن عوف وأبو حذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو ، ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية ، وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبي حثمة (٢) ، وحاطب بن عمرو وسهل بن بيضاء رضي الله عنهم ، فخرجوا إلى البحر وآجروا (٣) سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار وذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهذه الهجرة الأولى ثم خرج جعفر بن أبي طالب ، وتتابع المسلمون إليها ، فكان جميع من هاجر إلى الحبشة من المسلمين اثنين وثمانين رجلا سوى النساء والصبيان ، فلما علمت قريش بذلك وجهوا عمرو بن العاص وصاحبه بالهدايا إلى النجاشي وبطارقته ليردّوهم إليهم ، فعصمهم الله وذكرت القصة في سورة آل عمران ، فلما انصرفا خائبين أقام المسلمون هناك بخير دار وأحسن جوار إلى أن هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعلا أمره وذلك في سنة ست من الهجرة كتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى النجاشي على يد عمرو بن أمية الضمري ليزوّجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ـ وكانت قد هاجرت إليه مع زوجها فمات زوجها ـ ويبعث إليه من عنده من المسلمين فأرسل النجاشي إلى أم حبيبة جارية يقال لها : أبرهة تخبرها بخطبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم إيّاها ، فأعطتها أوضاحا لها سرورا بذلك ، فأذنت خالد (٤) بن سعيد بن العاص حتى أنكحها على صداق أربعمائة دينار ، وكان الخاطب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم النجاشي رحمهالله فأنفذ إليها النجاشي أربعمائة دينار على يد أبرهة ، فلما جاءتها بها
__________________
[٨١٧] ـ لم أره بهذا السياق ، وورد منجما في أحاديث.
انظر «الدر المنثور» (٢ / ٥٣٧ ، ٥٣٨) و «تفسير الطبري» (٥ / ٣ ، ٤) و «أسباب النزول» للواحدي ص ٢٠٥ ، ٢٠٧.
__________________
(١) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع وط.
(٢) تصحف في المطبوع «خيثمة».
(٣) في المطبوع وط «أخذوا».
(٤) في المخطوط أ ، وط «لخالد».