إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) ، يعني : القرآن ، وقيل : كتب أنبياء بني إسرائيل ، (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) ، قيل : من فوقهم هو المطر ، ومن تحت أرجلهم نبات الأرض. قال ابن عباس رضي الله عنهما : لأنزلت عليهم القطر وأخرجت لهم من نبات الأرض. وقال الفراء : أراد به التوسعة في الرزق كما يقال : فلان في الخير من قرنه إلى قدمه ، نظيره قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ٩٦]. (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) ، يعني : مؤمني أهل الكتاب ، عبد الله بن سلام وأصحابه ، مقتصدة أي عادلة غير غالية (١) ، ولا مقصرة جافية. ومعنى الاقتصاد في اللغة : الاعتدال في العمل من غير غلوّ ولا تقصير ، (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ) ، كعب بن الأشرف وأصحابه ، (ساءَ ما يَعْمَلُونَ) ، بئس (٢) شيئا عملهم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : عملوا بالقبيح مع التكذيب بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم.
قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ، روي عن مسروق قال : قالت عائشة رضي الله عنها : من حدثك أن محمدا صلىاللهعليهوسلم كتم شيئا مما أنزل الله فقد كذب ، وهو يقول : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) الآية (١). وروي [عن](٣) الحسن : أنّ الله تعالى لما بعث رسوله ضاق ذرعا وعرف أنّ من الناس من يكذبه ، فنزلت هذه الآية (٢).
[وقيل](٣) : نزلت في عيب اليهود ، وذلك أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم دعاهم إلى الإسلام ، فقالوا : أسلمنا قبلك وجعلوا يستهزءون به ، فيقولون له : تريد أن نتخذك حنانا كما اتّخذت النصارى عيسى حنانا ، فلما رأى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ذلك سكت فنزلت هذه الآية ، وأمره أن يقول لهم : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) [المائدة : ٦٨] الآية.
وقيل : بلّغ ما أنزل إليك من الرجم والقصاص ، نزلت في قصة اليهود ، وقيل : نزلت في أمر زينب بنت جحش ونكاحها ، وقيل : [نزلت](٤) في الجهاد ، وذلك أن المنافقين كرهوه ؛ كما قال الله تعالى : (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) [محمد : ٥] ، وكرهه بعض المؤمنين قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) [النساء : ٧٧] الآية. فكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يمسك في بعض الأحايين عن الحثّ على الجهاد لما يعلم من كراهة بعضهم ، فأنزل الله هذه الآية. قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ، قرأ أهل المدينة والشام وأبو بكر ويعقوب «رسالاته» على الجمع والباقون رسالته على التوحيد ، ومعنى الآية : إن لم تبلّغ الجميع (٥) وتركت بعضه ، فما بلغت شيئا ، أي : جرمك في ترك تبليغ البعض كجرمك في ترك تبليغ الكل ؛ كقوله : (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) [النساء : ١٥٠ ـ ١٥١] ،
__________________
(١) خبر عائشة أخرجه البخاري ٤٦١٢ ومسلم ١٧٧ دون ذكر الآية ويأتي في آخر سورة لقمان.
(٢) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٠٢ عن الحسن بدون إسناد ، وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١ / ٦٥٩) : أخرجه إسحاق في «مسنده» أخبرنا كلثوم بن محمد بن أبي سدرة حدثنا عطاء الخراساني عن أبي هريرة به .... ا ه.
(٣) ما بين المعقوفتين زيادة من «ط».
__________________
(١) في المطبوع «غالبة».
(٢) زيد في المطبوع وحده «بئس ما يعملون».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع : «الجمع».