محبوسة مقبوضة عن (١) الرزق ، نسبوه إلى البخل ، قيل : إنما قال هذه المقالة فنحاص ، فلمّا لم ينهه الآخرون ورضوا بقوله أشركهم الله فيها. وقال الحسن : معناه يد الله مكفوفة عن عذابنا فليس يعذّبنا إلا ما يبرّ به قسمه قدر ما عبد آباؤنا العجل. والأول أولى ؛ لقوله : (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ). (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) ، أي : أمسكت أيديهم عن الخيرات. وقال الزجاج : أجابهم الله تعالى فقال : أنا الجواد وهم البخلاء وأيديهم هي المغلولة الممسكة. وقيل : هو من الغلّ في النار يوم القيامة ؛ لقوله تعالى : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ) [غافر : ٧١]. (وَلُعِنُوا) ، عذّبوا ، (بِما قالُوا) ، فمن لعنهم أنهم مسخوا قردة وخنازير وضربت عليهم الذلّة والمسكنة في الدنيا وفي الآخرة بالنار ، (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) ، ويد الله صفة من صفات ذاته كالسمع ، والبصر والوجه ، وقال جلّ ذكره : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥].
[٨١٠] وقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «كلتا يديه يمين».
والله أعلم بصفاته ، فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم. وقال أئمة السلف من أهل السنة في هذه الصفات : أمرّوها كما جاءت بلا كيف (٢) ، (يُنْفِقُ) ، يرزق ، (كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) ، أي : كلما نزلت آية كفروا بها فازدادوا طغيانا وكفرا ، وكفروا ، (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) ، يعني : بين اليهود والنصارى ، قاله الحسن ومجاهد. وقيل : بين طوائف اليهود جعلهم [الله](٣) مختلفين في دينهم متباغضين ، (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) ، يعني : اليهود أفسدوا وخالفوا حكم التوراة ، فبعث الله عليهم بختنصر ، ثم أفسدوا فبعث الله عليهم طيطوس الرومي ، ثم أفسدوا فسلّط الله عليهم المجوس ، ثم أفسدوا فبعث الله عليهم المسلمين ، وقيل : كلما أجمعوا أمرهم ليفسدوا أمر محمد صلىاللهعليهوسلم وأوقدوا نار المحاربة أطفأها الله ، فردّهم وقهرهم ونصر نبيّه ودينه ، هذا معنى قول الحسن ، وقال قتادة : هذا عام في كل حرب طلبته اليهود فلا تلقى اليهود في بلد إلا وجدتهم من أذلّ الناس ، (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (٦٦) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٦٧))
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا) ، بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَاتَّقَوْا) ، الكفر ، (لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ).
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) ، يعني : أقاموا أحكامهما وحدودهما وعملوا بما فيهما ، (وَما أُنْزِلَ
__________________
[٨١٠] ـ هو بعض حديث وقد تقدم في سورة النساء برقم : ٦٣٣.
__________________
(١) في المطبوع «من».
(٢) هذا هو الحق الذي لا مرية فيه ، والذي يفسرها ويؤولها معطل ، والذي يقول : يد كيد ، وسمع كسمع وبصر كبصر ، ونحو ذلك ، فهو مشبه مجسم ، نسأل الله السلامة.
(٣) زيادة عن المخطوط.