أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠) وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣))
(قُلْ) يا محمد ، (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ) ، أخبركم ، (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ) ، الذي ذكرتم ، يعني : قولهم لم نر أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ولا دينا شرا من دينكم ، فذكر الجواب بلفظ الابتداء ، وإن لم يكن الابتداء شرا ؛ لقوله تعالى : (أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ) [الحج : ٧٢] ، (مَثُوبَةً) ثوابا وجزاء ، نصب على التفسير (١) ، (عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) ، أي : هو من لعنه الله ، (وَغَضِبَ عَلَيْهِ) ، يعني : اليهود ، (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) ، فالقردة أصحاب السبت ، والخنازير كفار مائدة عيسى عليهالسلام. وروي عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن الممسوخين (٢) كلاهما من أصحاب السبت فشبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير. (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) ، أي : جعل منهم من عبد الطاغوت ، أي : أطاع الشيطان فيما سوّل له ، تصديقها (٣) ، قراءة ابن مسعود : «ومن عبدوا الطاغوت» ، وقرأ حمزة : «وعبد» بضم الباء ، «الطاغوت» بجر التاء ، أراد العبد وهما لغتان عبد بجزم الباء وعبد بضم الباء ، مثل سبع وسبع ، وقيل : جمع العباد ، وقرأ الحسن : «وعبد الطاغوت» على الواحد ، (أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) ، [أي](٤) : عن طريق الحق.
(وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا) ، يعني : هؤلاء المنافقين ، وقيل : هم الذين قالوا : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) [آل عمران : ٧٢] ، دخلوا على النبيّ صلىاللهعليهوسلم وقالوا : آمنا : بك وصدقناك فيما قلت ، وهم يسرّون الكفر ، (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) ، يعني : دخلوا كافرين وخرجوا كافرين ، (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ).
(وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) ، يعني : من اليهود (يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) ، قيل : الإثم المعاصي والعدوان الظلم ، وقيل : الإثم ما كتموا من التوراة ، والعدوان ما زادوا فيها ، (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) ، الرّشا ، (لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
(لَوْ لا) ، هلّا ، (يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) ، يعني : العلماء ، قيل : الربانيون علماء النصارى ، والأحبار علماء اليهود ، (عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ).
(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤))
. (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) ، قال ابن عباس وعكرمة والضحاك وقتادة : إنّ الله تعالى كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالا وأخصبهم ناحية فلما عصوا الله في محمد صلىاللهعليهوسلم وكذّبوا به كفّ الله عنهم ما بسط عليهم من السّعة ، فعند ذلك قال فنحاص بن عازوراء : يد الله مغلولة ، أي :
__________________
(١) أي التمييز.
(٢) كذا في المطبوع وط والمخطوط وفي ب «المسخين».
(٣) في المخطوط ب وحده «تصدقها».
(٤) زيادة عن المخطوط.