يَأْذَنَ لِي أَبِي) ، بالخروج منها يدعوني ، (أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) ، برد (١) أخي إليّ أو بخروجي وترك أخي. وقيل : أو يحكم الله لي بالسيف فأقاتلهم وأستردّ أخي ، (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) ، أعدل من فصل بين الناس.
(ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣))
(ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ) ، يقول الأخ المحتبس بمصر لإخوته ارجعوا إلى أبيكم ، (فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ) ، بنيامين ، (سَرَقَ) ، وقرأ ابن عباس والضحاك [سرّق](٢) بضم السين وكسر الراء وتشديدها ، يعني : نسب إلى السرقة ، كما يقال خوّنته أي نسبته إلى الخيانة ، (وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) ، يعني : ما قلنا هذا إلّا بما علمنا فإنّا رأينا إخراج الصواع من متاعه. وقيل : معناه وما شهدنا إلّا بما علمنا أي ما كانت منّا شهادة في عمرنا على شيء إلا بما علمنا ، وليست هذه شهادة منّا إنما هو خبر عن صنيع ابنك بزعمهم. وقيل : قال لهم يعقوب عليهالسلام : ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلّا بقولكم ، فقالوا : ما شهدنا عند يوسف بأن السارق يسترق إلّا بما علمنا ، وكان الحكم ذلك عند يعقوب وبنيه. (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) ، قال مجاهد وقتادة : ما كنّا نعلم إن ابنك سيسرق ويصير أمرنا إلى هذا ، وإنما قلنا ونحفظ أخانا مما لنا إلى حفظه من سبيل. وعن ابن عباس : ما كنّا لليله ونهاره ومجيئه وذهابه حافظين. وقال عكرمة : وما كنا للغيب حافظين فلعلها دسّت باللّيل في رحله.
(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) ، أي : أهل القرية وهي مصر. قال ابن عباس : هي قرية من قرى مصر كانوا ارتحلوا منها إلى مصر. (وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) ، أي : القافلة التي كنّا فيها. وكان صحبهم قوم من كنعان من جيران يعقوب. قال ابن إسحاق : عرف الأخ المحتبس بمصر أن إخوته أهل تهمة عند أبيهم لما كانوا يصنعوا في أمر يوسف فأمرهم أن يقولوا هذه المقالة لأبيهم ، (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) ، فإن قيل : كيف استجاز يوسف أن يعمل مثل هذا بأبيه ولم يخبر بمكانه وحبس أخاه مع علمه بشدّة وجد أبيه عليه؟ وقيل : معنى العقوق : قطيعة الرحم وقلّة الشفقة؟ قيل : قد أكثر الناس فيه [من الأقوال](٣). والصحيح أنه عمل ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى ، وأمره به ليزيد في بلاء يعقوب فيضاعف له الأجر ويلحقه في الدرجة بآبائه الماضين. وقيل : إنه لم يظهر نفسه لإخوته لأنه لم يأمن أن يدبّروا في أمره تدبيرا فيكتموه عن أبيه ، والأول أصح.
(قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ) ، زيّنت ، (أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) ، فيه اختصار معناه : فرجعوا إلى أبيهم وذكروا لأبيهم ما قال كبيرهم ، فقال يعقوب : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) ، أي : حمل أخيكم إلى مصر لطلب نفع عاجل ، (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) ، يعني : يوسف وبنيامين وأخاهم المقيم بمصر ، (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) ، بحزني ووجدي على فقدهم ، (الْحَكِيمُ) ، في تدبير خلقه.
(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ
__________________
(١) في المطبوع «يرد» والمثبت عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.