بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا ، وكان روبيل إذا غضب لم يقم لغضبه شيء ، وإذا صاح ألقت كل امرأة حامل سمعت صوته ولدها ، وكان مع هذا إذا مسّه أحد من ولد يعقوب سكن غضبه. وقيل : كان هذا صفة شمعون من ولد يعقوب. وروي أنه قال لإخوته : كم عدد الأسواق بمصر؟ فقالوا : عشرة ، فقال : اكفوني أنتم الأسواق وأنا أكفيكم الملك ، أو اكفوني أنتم الملك وأنا أكفيكم الأسواق ، فدخلوا على يوسف فقال روبيل : لتردن علينا أخانا أو لأصيحن صيحة لا تبقي بمصر امرأة حامل إلّا ألقت ولدها وقامت كل شعرة في جسد روبيل فخرجت من ثيابه ، فقال يوسف لابن له صغير : قم إلى جنب روبيل فمسّه. وروي : خذ بيده فأتني به ، فذهب الغلام فمسّه فسكن غضبه. فقال روبيل : إن هاهنا لبذرا من بذر يعقوب ، فقال يوسف : من يعقوب؟ وروي أنه غضب ثانيا فقام إليه يوسف فركضه برجله وأخذ بتلابيبه (١) فوقع على الأرض وقال : أنتم يا معشر العبرانيين تظنون أن لا أحد أشدّ منكم؟ فلما صار أمرهم إلى هذا ورأوا أن لا سبيل لهم إلى تخليصه خضعوا وذلّوا وقالوا : (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً) يحبّه ، (فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ) ، بدلا منه ، (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ، في أفعالك. وقيل : من المحسنين إلينا في توفية الكيل وحسن الضيافة وردّ البضاعة. وقيل : يعنون : إن فعلت ذلك كنت من المحسنين.
(قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠))
(قالَ) يوسف : (مَعاذَ اللهِ) ، أعوذ بالله ، (أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) ، ولم يقل إلا من سرق تحرّزا من الكذب ، (إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) ، إن أخذنا برئيا بمجرم.
(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ) ، أي : أيسوا من يوسف أن يجيبهم إلى ما سألوه. وقال أبو عبيدة : استيأسوا (٢) استيقنوا أن الأخ لا يردّ إليهم. (خَلَصُوا نَجِيًّا) ، أي : خلا بعضهم ببعض يتناجون ويتشاورون لا يخالطهم غيرهم. والنجيّ يصلح للجماعة كما قال هاهنا ويصلح للواحد كقوله : (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) [مريم : ٥٢] ، وإنما جاز للواحد والجمع لأنه مصدر جعل نعتا كالعدل والزور ، ومثله النجوى يكون اسما ومصدرا ، قال الله تعالى : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) [الإسراء : ٤٧] ، أي : متناجون. وقال : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) [المجادلة : ٧] ، وقال في المصدر : (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ) [المجادلة : ١٠]. (قالَ كَبِيرُهُمْ) ، يعني : في العقل والعلم لا في السن. قال ابن عباس والكلبي : هو يهوذا وهو أعقلهم. وقال مجاهد : هو شمعون ، وكانت له الرئاسة على إخوته. وقال قتادة والسدي والضحاك : هو روبيل ، وكان أكبرهم في السن ، وهو الذي نهى الإخوة عن قتل يوسف. (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً) ، عهدا ، (مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ) ، قصّرتم (فِي يُوسُفَ) ، واختلفوا في محل (ما) ، قيل : هو نصب بإيقاع العلم عليه ، يعني : ألم تعلموا من قبل تفريطكم في يوسف. وقيل : وهو في محل رفع على الابتداء وتمّ الكلام عند قوله : (مِنَ اللهِ) ، ثم قال : (وَمِنْ قَبْلُ) ، هذا تفريطكم في يوسف. وقيل : (ما) صلة ، أي : ومن قبل هذا فرطتم في يوسف ، (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) ، التي أنا بها وهي [أرض](٣) مصر ، (حَتَّى
__________________
(١) في المخطوط «بجلابيبه».
(٢) في المخطوط «أبوا».
(٣) زيادة عن المخطوط.