حبس أخيه في حكم الملك لو لا ما كدنا له بلطفنا حتى وجد السبيل إلى ذلك ، وهو ما أجري على ألسنة الإخوة أن جزاء السارق الاسترقاق ، فحصل مراد يوسف بمشيئة الله تعالى. (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) ، بالعلم كما رفعنا درجة يوسف على إخوته. وقرأ يعقوب «يرفع» و «يشاء» بالياء فيهما ، [وإضافة (دَرَجاتٍ) إلى (مِنْ) في هذه السورة. والوجه أن الفعل فيهما مسند إلى الله تعالى. وقد تقدم ذكره في قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) ، أي : يرفع الله درجات من يشاء. وقرأ الباقون بالنون فيهما ، إلّا أن الكوفيين قرءوا : (دَرَجاتٍ) بالتنوين ، ومن سواهم بالإضافة ، أي : نرفع به نحن ، والواقع أيضا هو الله تعالى](١). (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ). قال ابن عباس : فوق كل عالم عالم إلى أن ينتهي العلم إلى الله تعالى ، فإن الله تعالى فوق كل عالم.
(قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨))
(قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) ، يريدون أخا له من أمه يعنون به يوسف ، واختلفوا في السرقة التي وصفوا بها يوسف [عليهالسلام] ، فقال سعيد بن جبير وقتادة : كان لجده أبي (٢) أمه صنم يعبده فأخذه سرّا وكسره وألقاه في الطريق لئلا يعبد. وقال مجاهد : إن يوسف جاءه سائل يوما فأخذ بيضة من البيت فناولها السائل. وقال سفيان بن عيينة : أخذ دجاجة من الطير التي كانت في بيت يعقوب فأعطاها سائلا. وقال وهب : كان يخبّئ الطعام من المائدة للفقراء.
وذكر محمد بن إسحاق : أن يوسف كان عند عمته ابنة إسحاق بعد موت أمه راحيل ، فحضنته عمته وأحبته حبا شديدا ، فلما ترعرع وقعت محبة يعقوب عليه ، فأتاها وقال : يا أختاه سلّمي إليّ يوسف فو الله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة ، قالت : لا والله ، فقال : والله ما أنا بتاركه ، فقالت : دعه عندي أياما انظر إليه لعلّ ذلك يسليني عنه ، ففعل ذلك فعمدت [عمته](٣) إلى منطقة لإسحاق كانوا يتوارثونها بالكبر ، فكانت عندها لأنها كانت أكبر ولد إسحاق ، فحزمت المنطقة على يوسف تحت ثيابه وهو صغير ، ثم قالت : لقد فقدت منطقة إسحاق اكشفوا أهل البيت فكشفوا فوجدوها مع يوسف ، فقالت : والله إنه لسلم (٤) لي ، فقال يعقوب : إن كان فعل ذلك فهو سلم (٥) لك ، فأمسكته حتى ماتت ، فذلك الذي قال إخوة يوسف : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) ، (فَأَسَرَّها) ، أضمرها (يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) ، وإنما أتت الكناية لأنه عنى (٦) بها الكلمة وهي قوله : (قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) ، ذكرها سرا في نفسه ولم يصرح بها ، يريد أنتم شر مكانا أي منزلا عند الله ممن رميتموه بالسرقة في صنيعكم بيوسف ، لأنه لم يكن من يوسف سرقة حقيقية وخيانتكم حقيقة ، (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) ، تقولون.
(قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً) ، وفي القصة أنهم غضبوا غضبا شديدا لهذه الحالة ، وكان
__________________
(١) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.
(٢) في المطبوع «ابن» والمثبت عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط «ليسلم» والسلم : انقياد المذعن المستخذي كالأسير الذي لا يمتنع ممن أمره.
(٥) في المخطوط «يسلم».
(٦) في المطبوع «كين» والمثبت عن المخطوط.