كانوا معروفين بأنهم لا يتناولون ما ليس لهم ، وكانوا إذا دخلوا مصر كمّموا أفواه دوابّهم كيلا تتناول شيئا من حروث الناس ، (وَما كُنَّا سارِقِينَ).
(قالُوا) ، يعني : المنادي وأصحابه (فَما جَزاؤُهُ) ، يعني (١) : ما جزاء السارق ، (إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ) ، في قولكم : ما كنا سارقين.
(قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦))
(قالُوا) ، يعني : إخوة يوسف ، (جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) ، أي : فالسارق جزاؤه أن يسلم السارق بسرقته إلى المسروق منه فيسترقّه سنة ، وكان ذلك سنّة آل يعقوب في حكم السارق ، وكان [في](٢) حكم ملك مصر أن يضرب السارق ويغرم ضعفي قيمة المسروق ، فأراد يوسف أن يحبس أخاه عنده ، فردّ الحكم إليهم ليتمكّن من حبسه عنده على حكمهم. (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) ، الفاعلين ما ليس لهم فعله من سرقة مال الغير ، فقال الرسول عند ذلك : لا بدّ من تفتيش أمتعتكم ، فأخذ في تفتيشها. وروي أنه ردّهم إلى يوسف فأمر بتفتيش أوعيتهم بين يديه [واحدا واحدا](٣).
[(فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ) ، لإزالة التهمة ، (قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ) ، فكان يفتش أوعيتهم واحدا واحدا](٤). قال قتادة : ذكر لنا أنه كان لا يفتح متاعا ولا ينظر في وعاء إلّا استغفر الله تأثما مما قذفهم به حتى إذا لم يبق إلّا رحل بنيامين ، قال : ما أظن هذا أخذه ، فقال إخوته : والله لا نترك حتى تنظر في رحله فإنه أطيب لنفسك ولأنفسنا ، فلما فتحوا متاعه استخرجوه منه ، فذلك قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) ، وإنما أنّث الكناية في قوله : (اسْتَخْرَجَها) ، والصّواع مذكر ، بدليل قوله : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) [يوسف : ٧٢] ، لأنه ردّ الكناية هاهنا إلى السقاية. وقيل : الصواع يذكّر ويؤنّث ، فلما أخرج الصواع من رحل بنيامين نكس إخوته رءوسهم من الحياء ، وأقبلوا على بنيامين وقالوا : ما الذي صنعت فضحتنا وسوّدت وجوهنا يا بني راحيل؟ ما يزال لنا منكم البلاء متى أخذت هذا الصواع ، فقال بنيامين : بل بنو راحيل لا يزال لهم منكم بلاء ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية والله قد وضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع البضاعة في رحالكم ، فأخذوا بنيامين رقيقا. وقيل : إن ذلك الرجل أخذه (٥) برقبته وردّه إلى يوسف كما يرد السراق ، (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) ، والكيد هاهنا جزاء الكيد ، يعني : كما فعلوا في الابتداء بيوسف من الكيد فعلنا بهم. وقد قال يعقوب عليهالسلام ليوسف : (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) [يوسف : ٥] ، فكدنا ليوسف في أمرهم. والكيد من الخلق : الحيلة ، ومن الله : التدبير بالحق. وقيل : كدنا أعلمنا. وقيل : دبرنا. وقيل : أردنا. ومعناه : صنعنا ليوسف حتى ضمّ أخاه إلى نفسه ، وحال بينه وبين إخوته [وذلك قوله](٦) : (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ) ، فيضمّه إلى نفسه ، (فِي دِينِ الْمَلِكِ) ، أي : في حكمه. قال قتادة وقال ابن عباس : في سلطانه. (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) ، يعني : إن يوسف لم يكن يتمكّن من
__________________
(١) في المخطوط «أي».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.
(٥) في المطبوع «أخذ» والمثبت عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.