فعلوه بنا فيما مضى ، فإن الله تعالى قد أحسن إلينا ، ولا تعلمهم شيئا مما أعلمتك ، ثم أوفى يوسف لإخوته الكيل وحمل لهم بعيرا بعيرا ولبنيامين بعيرا باسمه ، ثم أمر بسقاية الملك فجعلت في رحل بنيامين.
قال السدي : جعل (١) السقاية في رحل أخيه ، والأخ لا يشعر ، وقال كعب : لما قال له يوسف : إني أنا أخوك ، قال بنيامين : أنا لا أفارقك ، فقال [له](٢) يوسف : قد علمت اغتمام والدي بي وإذا حبستك ازداد غمّه ولا يمكنني هذا إلا بعد أن أشهرك بأمر فظيع وأنسبك إلى ما لا يحل (٣) ، قال : لا أبالي فافعل ما بدا لك فإني لا أفارقك ، قال : فإني أدسّ صاعي في رحلك ثم أنادي عليك بالسرقة ليهيّأ لي ردّك بعد تسريحك ، قال : فافعل كما تريد.
(فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤))
فذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ) ، وهي المشربة التي كان الملك يشرب منها. قال ابن عباس : كانت من زبرجد. وقال ابن إسحاق : كانت من فضة. وقيل : من ذهب ، وقال عكرمة : كانت مشربة من فضة مرصعة بالجواهر ، وجعلها يوسف مكيالا لئلا يكال بغيرها ، وكان يشرب منها. والسقاية والصواع واحد ، فجعلت في وعاء طعام [أخيه](٤) بنيامين ، ثم ارتحلوا وأمهلهم يوسف حتى انطلقوا وذهبوا منزلا. وقيل : حتى خرجوا من العمارة ، ثم بعث من خلفهم من استوقفهم وحبسهم. (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) ، نادى مناد ، (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) ، وهي القافلة التي فيها الأحمال. قال مجاهد : كانت العير حميرا. قال الفراء : كانوا أصحاب إبل. (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) ، قفوا. قيل (٥) : قالوه من غير أمر يوسف. وقيل : قالوه بأمره ، وكان هفوة منه. وقيل : قالوه على تأويل أنهم سرقوا يوسف من أبيه ، فلما انتهى إليهم الرسول ، قال لهم : ألم نكرم ضيافتكم ونحسن منزلتكم ونوفكم كيلكم ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم؟ قالوا : بلى ، قالوا : وما ذاك؟ قالوا : سقاية الملك فقدناها ، ولا نتّهم عليها غيركم.
فذلك قوله عزوجل : (قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ) ، عطفوا على المؤذن وأصحابه ، (ما ذا تَفْقِدُونَ) ، ما الذي ضلّ عنكم. والفقدان : ضدّ الوجود (٦).
(قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) ، من الطعام ، (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) ، كفيل ، يقوله المؤذن.
(قالُوا) ، يعني : إخوة يوسف ، (تَاللهِ) ، أي : والله ، خصّت هذه الكلمة بأن أبدلت الواو فيها بالتاء في اليمين دون سائر أسماء الله تعالى. (لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ) ، لنسرق في أرض مصر ، فإن قيل : كيف قالوا لقد علمتم؟ ومن أين علموا ذلك؟ قيل : قالوا قد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض ، فإنا منذ قطعنا هذا الطريق لم نرزأ أحدا شيئا فاسألوا عنّا من مررنا به ، هل ضررنا أحدا. وقيل : لأنهم ردّوا البضاعة التي جعلت في رحالهم ، قالوا : فلو كنّا سارقين ما رددناها. وقيل : قالوا ذلك لأنهم
__________________
(١) في المطبوع «جعلت» والمثبت عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «يحل» وفي ط «يحمد».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «قال» والمثبت عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «الوجدان» والمثبت عن المخطوط.