وعن إبراهيم النخعي أنه قال ذلك لأنه كان يرجو أن يروا يوسف في التفرّق. والأول أصح. ثم قال : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) ، معناه : إن كان الله قضى فيكم قضاء فيصيبكم مجتمعين كنتم أو متفرّقين ، فإن المقدور كائن والحذر لا ينفع عن القدر ، (إِنِ الْحُكْمُ) ، ما الحكم ، (إِلَّا لِلَّهِ) ، هذا تفويض يعقوب أموره إلى الله ، (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) ، اعتمدت ، (وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).
(وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) ، أي : من الأبواب المتفرّقة. وقيل : كانت المدينة مدينة الفرما ولها أربعة أبواب ، فدخلوها من أبوابها ، (ما كانَ يُغْنِي) ، يدفع (عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) ، صدق الله تعالى يعقوب فيما قال ، (إِلَّا حاجَةً) ، مرادا ، (فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) ، أشفق عليهم إشفاق الآباء على أبنائهم وجرى الأمر عليه ، (وَإِنَّهُ) ، يعني : يعقوب عليهالسلام ، (لَذُو عِلْمٍ) ، يعني : كان يعمل ما يعمل عن علم لا عن جهل ، (لِما عَلَّمْناهُ) ، أي : لتعليمنا إيّاه. وقيل : إنه لعامل بما علم. قال سفيان : من لا يعمل بما يعلم لا يكون عالما. وقيل : إنه لذو حفظ لما علّمناه ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ، ما يعلم يعقوب لأنهم لم يسلكوا طريق إصابة العلم. قال ابن عباس : لا يعلم المشركون ما ألهم الله أولياءه.
(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩))
(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ) ، قالوا : هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به قد جئناك به ، فقال : أحسنتم وأصبتم ، وستجدون جزاء ذلك عندي ، ثم أنزلهم فأكرم منزلتهم ، ثم أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقي بنيامين وحيدا فبكى وقال : لو كان أخي يوسف حيّا لأجلسني معه ، فقال يوسف : لقد بقي أخوكم (١) هذا وحيدا فأجلسه معه على مائدته فجعل يؤاكله فلمّا كان الليل أمر لهم بمثل [ذلك] ، وقال [لهم](٢) : لينم كل أخوين منكم على مثال ، فبقي بنيامين وحده ، فقال يوسف : هذا ينام معي على فراشي ، فنام (٣) معه فجعل يوسف يضمه إليه ويشم ريحه حتى أصبح ، وجعل روبيل (٤) يقول : ما رأينا مثل هذا ، فلما أصبح ، قال لهم : إني أرى هذا الرجل ليس معه ثان فسأضمّه إليّ فيكون منزله معي ، ثم أنزلهم منزلا وأجرى عليهم الطعام ، وأنزل أخاه لأمه [معه](٥) ، فذلك قوله تعالى : (آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) ، أي : ضمّ إليه أخاه فلما خلا به قال [له] : ما اسمك؟ قال : بنيامين ، قال : وما بنيامين؟ قال : ابن المثكل (٦) ، وذلك أنه لما ولد هلكت أمه قال : وما اسم أمك؟ قال : راحيل ، قال : راحيل بنت من؟ قال : راحيل بنت لاوى ، قال : فهل لك من ولد؟ قال : نعم عشر بنين ، قال : فهل لك من أخ لأمك ، قال : كان لي أخ فهلك ، قال يوسف : أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك ، فقال بنيامين : ومن يجد أخا مثلك أيها الملك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل ، فبكى يوسف عند ذلك وقام إليه وعانقه ، وقال [له] : (قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ) ، أي : لا تحزن ، (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، بشيء
__________________
والحديث ضعفه السخاوي في «المقاصد الحسنة» وأنكره الذهبي في «الميزان» في ترجمة شعيب بن أيوب ، وهو كما قالا ، والصحيح في ذلك «العين حق» وهذا متفق عليه ، وتقدم.
__________________
(١) في المطبوع «أحدكم» والمثبت عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «فبات».
(٤) في المطبوع «روبين» والمثبت عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «المنكل» والمثبت عن المخطوط.