السلام إحسان الملك إليهم وحثّوه على إرسال بنيامين معهم ، فلما فتحوا المتاع وجدوا البضاعة ، قالوا : يا أبانا ما نبغي ، (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) ، أي : شيء نطلب بالكلام فهذا هو العيان من الإحسان والإكرام ، أوفى لنا الكيل وردّ علينا الثمن ، أرادوا تطييب نفس أبيهم ، (وَنَمِيرُ أَهْلَنا) ، أي : نشتري لهم الطعام فنحمله إليهم. يقال : مار أهله يمير ميرا إذا حمل إليهم الطعام من بلد آخر. ومثله امتار يمتار امتيارا. (وَنَحْفَظُ أَخانا) بنيامين ، أي : مما تخاف عليه. (وَنَزْدادُ) ، على أحملنا ، (كَيْلَ بَعِيرٍ) ، أي : حمل بعير يكال (١) لنا من أجله ، لأنه كان يعطي باسم كل رجل حمل بعير ، (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) ، أي : ما حملناه قليل لا يكفينا (٢) وأهلنا. وقيل : معناه ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير لا مئونة فيه ولا مشقّة.
وقال مجاهد : البعير هاهنا الحمار كيل بعير ، أي : حمل حمار ، وهي لغة ، يقال للحمار : بعير. وهم كانوا أصحاب حمر. والأول أصح [أنه البعير المعروف](٣).
(قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦) وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨))
(قالَ) لهم يعقوب : (لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ) تعطون (مَوْثِقاً) ، أي : ميثاقا وعهدا ، (مِنَ اللهِ) ، والعهد الموثق : المؤكّد بالقسم (٤). وقيل : المؤكّد بإشهاد الله على نفسه ، (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) ، وأدخل اللام فيه لأن معنى الكلام اليمين ، (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) ، قال مجاهد : إلّا أن تهلكوا جميعا. وقال قتادة : إلّا أن تغلبوا حتى لا تطيقوا ذلك. وفي القصة : أن الأخوة ضاق الأمر عليهم وجهدوا أشدّ الجهد ، فلم يجد يعقوب بدا من إرسال بنيامين معهم. (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ) ، أعطوه عهودهم ، (قالَ) ، يعني : يعقوب (اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) ، شاهد. وقيل : حافظ. قال كعب : لما قال يعقوب فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين ، قال الله عزوجل : وعزّتي [وجلالي] لأردنّ عليك كليهما بعد ما توكّلت عليّ.
(وَقالَ) لهم يعقوب : لما أرادوا الخروج من عنده ، (يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) ، وذلك أنه خاف عليهم [من](٥) العين لأنهم كانوا أعطوا جمالا وقوّة وامتداد قامة ، وكانوا ولد رجل واحد ، فأمرهم أن يتفرّقوا في دخولهم لئلا يصابوا بالعين ، فإن العين حق.
[١١٨٦] وجاء في الأثر : «إنّ العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر».
__________________
[١١٨٦] ـ ضعيف. أخرجه الخطيب في «تاريخه» (٩ / ٢٤٤) وأبو نعيم في «الحلية» (٧ / ٩٠) والقضاعي في «مسند الشهاب» ١٠٥٧ و ١٠٥٨ من حديث جابر ومداره على شعيب بن أيوب وقد وثقه الدارقطني وابن حبان وقال أبو داود : إني لأخاف الله تعالى في الرواية عنه.
__________________
(١) في المطبوع «يكتال».
(٢) في المطبوع «يفينا» والمثبت عن المخطوط وط.
(٣) العبارة في المخطوط «لأنه المعروف».
(٤) زيد في المطبوع «وقيل : المؤكد بالقسم».
(٥) زيادة عن المخطوط.