ثلاث عثرات حين همّ بها فسجن ، وحين قال اذكرني عند ربك فلبث في السجن بضع سنين ، وحين قال للإخوة إنكم لسارقون ، فقالوا : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل.
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦))
قوله تعالى : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ) ، وهما غلامان كانا للريان بن الوليد بن شروان (١) العمليقي (٢) ملك مصر الأكبر ، أحدهما خبازه وصاحب طعامه والآخر ساقيه وصاحب شرابه ، غضب الملك عليهما فحبسهما. وكان السبب فيه أن جماعة من أهل مصر أرادوا المكر بالملك واغتياله فضمنوا لهذين مالا ليسمّا الملك في طعامه وشرابه فأجاباهم ثم إن الساقي نكل عنه ، وقبل الخباز الرشوة فسمّ الطعام ، فلما أحضروا (٣) الطعام والشراب ، قال الساقي : لا تأكل أيها الملك فإن الطعام مسموم ، وقال الخباز : لا تشرب فإن الشراب مسموم ، فقال الملك للساقي : اشرب [منه](٤) [فشرب] فلم يضرّه ، وقال الخباز : كل من الطعام ، فأبى فجرب ذلك الطعام على دابّة فأكلته فهلكت ، فأمر الملك بحبسهما وكان يوسف حين دخل السجن جعل ينشر علمه [على من في السجن](٥) ، ويقول : إني أعبّر الأحلام ، فقال أحد الفتيين لصاحبه : هلمّ فلنجرب هذا العبراني ، فتراءيا له فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا ، [قال ابن مسعود : ما رأيا شيئا](٦) وإنّما تحالما ليجربا يوسف [فيما يقول](٧) ، وقال قوم : بل كانا رأيا حقيقة ، فرآهما يوسف وهما مهمومان فسألهما عن شأنهما ، فذكرا أنهما غلامان للملك وقد حبسهما ، وقد رأيا رؤيا قد غمّتهما ، فقال يوسف : قصّا عليّ ما رأيتما ، فقصّا عليه ف (قالَ أَحَدُهُما) ، وهو صاحب الشراب ، (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) ، أي : عنبا سمّي العنب خمرا باسم ما يؤول إليه ، كما يقال : فلان يطبخ الآجر ، أي : يطبخ اللّبن للآجر. وقيل : الخمر العنب بلغة عمان ، وذلك أنه قال إني رأيت كأني في بستان ، فإذا أنا بأصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها وكان كأس الملك بيدي فعصرتها فيه وسقيت الملك فشربه. (وَقالَ الْآخَرُ) ، وهو الخباز : (إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) ، وذلك أنه قال : إني رأيت كأن (٨) فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز والألوان من الأطعمة وسباع الطير ينهشن وينهبن منه. (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) ، أخبرنا بتفسيره وتعبيره وما يؤول إليه أمر هذه الرؤيا. (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ، أي : العالمين بعبارة الرؤيا ، والإحسان بمعنى العلم. وروي أن الضحاك بن مزاحم سئل عن قوله : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ، ما كان إحسانه؟ قال : كان إذا مرض إنسان في السجن عاده وقام عليه [بالتعهد](٩) ، وإذا ضاق عليه المجلس وسع له وإذا احتاج إلى شيء جمع له شيئا ، وكان مع هذا يجتهد في العبادة ، ويقوم الليل كله للصّلاة. وقيل : إنه لما دخل السجن وجد فيه قوما قد اشتدّ بلاؤهم وانقطع رجاؤهم وطال حزنهم ، فجعل يسلّيهم وجعل يقول : أبشروا واصبروا تؤجروا ، فيقولون : بارك الله فيك يا فتى ما أحسن وجهك وخلقك وحديثك ، لقد بورك لنا في جوارك فمن أنت يا فتى؟ قال : أنا
__________________
(١) في المخطوط «حردان».
(٢) في المطبوع «العمليق».
(٣) في المطبوع «أحضر».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) سقط من المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) في المخطوط «كأني».
(٩) زيادة عن المخطوط.