يوسف ابن صفي الله يعقوب ابن ذبيح الله إسحاق ابن خليل الله إبراهيم ، فقال له عامل السجن : يا فتى والله لو استطعت لخلّيت سبيلك ، ولكن سأحسن جوارك [تسكن في أيّ البيوت من السجن شئت](١). وروي أن الفتيين لمّا رأيا يوسف قالا له : لقد أحببناك حين رأيناك ، فقال لهما يوسف : أنشدكما بالله أن لا تحباني فو الله ما أحبّني أحد قط إلّا دخل عليّ من حبه بلاء ، لقد أحبتني عمتي فدخل عليّ بلاء ، لقد أحبني أبي فألقيت في الجبّ ، وأحبّتني امرأة العزيز فحبست ، فلما قصّا عليه الرؤيا كره يوسف أن يعبّر لهما ما سألاه لما علم في ذلك من المكروه على أحدهما ، فأعرض عن سؤالهما وأخذ في غيره من إظهار المعجزة والدعاء إلى التوحيد.
(قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨))
(قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) ، قيل : أراد به في النوم يقول لا يأتيكما طعام ترزقانه في نومكما ، (إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) ، في اليقظة ، وقيل : أراد به في اليقظة يقول : لا يأتيكما طعام من منازلكما ترزقانه تطعمانه وتأكلانه إلّا نبأتكما بتأويله بقدره ولونه والوقت الذي يصل فيه إليكما ، (قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما) ، قبل أن يصل إليكما ، وأيّ طعام أكلتم وكم أكلتم ومتى أكلتم ، فهذا مثل معجزة عيسى عليهالسلام حيث قال : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) [آل عمران : ٤٩] ، فقالا : هذا (٢) فعل العرّافين والكهنة ، فمن أين لك هذا العلم؟ فقال : ما أنا بكاهن وإنّما (ذلِكُما) ، العلم ، (مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) ، وتكرار (هُمْ) على التأكيد.
(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) ، أظهر أنه من أولاد الأنبياء ، (ما كانَ لَنا) ، ما ينبغي لنا ، (أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) ، معناه : أن الله قد عصمنا من الشرك ، (ذلِكَ) ، التوحيد والعلم ، (مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ) ، بما (٣) بيّن لهم من الهدى ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) ، ثم دعاهما إلى الإسلام فقال :
(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١) وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢) وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣))
__________________
(١) العبارة في المطبوع «فتمكن في أي بيوت السجن حيث شئت» وفي ط بدون «حيث».
(٢) زيد في المطبوع لفظ «من».
(٣) في المطبوع وط «ما».