(كَرِيمٌ) ، على الله.
(قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤) ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥))
(قالَتْ) ، يعني : راعيل ، (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) ، أي : في حبّه ، ثم صرّحت بما فعلت ، فقالت : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) ، أي : امتنع ، وإنما صرّحت به لأنها علمت أن لا ملامة عليها منهنّ وقد أصابهنّ ما أصابهن (١) من رؤيته ، فقلن له : أطع مولاتك. فقالت راعيل : (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ) ، ولئن لم يطاوعني فيما دعوته إليه ، (لَيُسْجَنَنَ) ، أي : ليعاقبن بالحبس ، (وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) ، من الأذلّاء. ونون التوكيد تثقل وتخفّف. فالوقف على قوله : (لَيُسْجَنَنَ) ، بالنون لأنها مشدّدة ، وعلى قوله : (وَلَيَكُوناً) بالألف لأنها مخففة ، وهي شبيهة بنون (٢) الإعراب في الأسماء ؛ كقوله : رأيت رجلا ، وإذا وقفت [قلت](٣) : رأيت رجلا بالألف ، ومثله : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) [العلق : ١٥] ، فاختار يوسف عليهالسلام السجن على المعصية حين توعّدته المرأة.
(قالَ رَبِ) ، أي : يا رب ، (السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ، [قيل : كان الدعاء منها خاصة ، ولكنه أضاف إليهن خروجا من التصريح إلى التعريض. وقيل : إنهنّ جميعا دعونه إلى أنفسهن](٤) ، قرأ يعقوب وحده : بفتح السين. وقرأ الآخرون بكسرها واتّفقوا على كسر السين في قوله : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ) [يوسف : ٣٦]. وقيل : لو لم يقل السجن أحب إليّ لم يبتل بالسجن ، والأولى بالمرء أن يسأل الله العافية. قوله تعالى : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَ) ، أمل إليهن وأتابعهن ، يقال : صبا فلان إلى كذا يصبوا صبوا وصبوّا وصبوة إذا مال واشتاق إليه. (وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) ، فيه دليل على أن المؤمن إذا ارتكب ذنبا يرتكبه عن جهالة.
(فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)) ، السميع لدعائه العليم بمكرهنّ.
(ثُمَّ بَدا لَهُمْ) ، يعني : للعزيز وأصحابه في الرأي وذلك أنهم أرادوا أن يقتصروا من أمر يوسف على الأمر بالإعراض. ثم بدا لهم (٥) أن يحبسوه. (مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) ، الدالّة على براءة يوسف من قدّ القميص وكلام الطفل وقطع النساء أيديهنّ وذهاب عقولهن. (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) ، إلى مدّة يرون فيه رأيهم. وقال عطاء : إلى أن تنقطع مقالة الناس. قال عكرمة : سبع سنين. وقال الكلبي : خمس سنين. قال السدي : وذلك أن المرأة قالت لزوجها : إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس يخبرهم أني راودته عن نفسه ، فإما أن تأذن لي أن أخرج فأعتذر إلى الناس ، وإما أن تحبسه ، فحبسه وذكر أن الله تعالى جعل ذلك الحبس تطهيرا ليوسف عليهالسلام من همّه بالمرأة. قال ابن عباس : عثر يوسف [عليه الصّلاة والسّلام](٦)
__________________
(١) في المطبوع وط «أصابها».
(٢) في المطبوع «شبهة نون».
(٣) زيادة عن ط.
(٤) ما بين الحاصرتين كذا في المطبوع وط ، ووقع في المخطوط عقب «وقرأ العامة بكسرها».
(٥) تصحف في المطبوع «له مأن».
(٦) زيادة عن المخطوط.