كان رجلا حكيما ذا رأي. قال السدي : هو ابن عم راعيل فحكم فقال : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) ، أي : من قدّام ، (فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ).
(وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩) وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠))
(وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧)).
(فَلَمَّا رَأى) ، قطفير ، (قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) ، عرف خيانة امرأته وبراءة يوسف عليهالسلام ، (قالَ) لها : (إِنَّهُ) ، أي : هذا الصنيع ، (مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) ، وقيل : إن هذا من قول الشاهد ، ثم أقبل قطفير على يوسف.
فقال : (يُوسُفُ) ، أي : يا يوسف (أَعْرِضْ عَنْ هذا) ، أي : عن هذا الحديث فلا تذكره لأحد حتى لا يشيع. وقيل : معناه لا تكترث به فقد بان عذرك وبراءتك ، ثم قال لامرأته : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) ، أي : توبي إلى الله ، (إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) ، من المذنبين. وقيل : إن هذا من قول الشاهد ليوسف ولراعيل ، أراد بقوله : واستغفري لذنبك ، أي : سلي زوجك أن لا يعاقبك ويصفح عنك ، إنك كنت من الخاطئين ، من المذنبين حتى راودت شابّا عن نفسه وخنت زوجك ، فلما استعصم كذبت عليه ، وإنما قال من الخاطئين ولم يقل من الخاطئات ، لأنه لم يقصد به الخبر عن النساء بل قصد به الخبر عمّن يفعل ذلك ، تقديره : من القوم الخاطئين ؛ كقوله تعالى : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [التحريم : ١٢] ، بيانه قوله تعالى : (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) [النمل : ٤٣].
قوله عزوجل : (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) الآية ، يقول : شاع أمر يوسف والمرأة في المدينة مدينة مصر. وقيل : مدينة عين شمس ، وتحدّث (١) النساء بذلك وقلن وهنّ خمس نسوة ، امرأة حاجب الملك ، وامرأة صاحب الدواب ، وامرأة الخباز ، وامرأة الساقي ، وامرأة صاحب السجن ، قاله مقاتل. وقيل : هنّ نسوة من أشراف مصر ، (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها) ، أي : عبدها الكنعاني ، (عَنْ نَفْسِهِ) ، أي : تطلب من عبدها الفاحشة ، (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) ، أي : علقها حبا. قال الكلبي : حجب حبّه قلبها حتى لا تعقل سواه. وقيل : أحبّته حتى دخل (٢) حبه شغاف قلبها ، أي : داخل قلبها. قال السدي : الشغاف جلدة رقيقة على القلب ، يقول دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب. وقرأ الشعبي والأعرج : شعفها بالعين غير المعجمة ، معناه : ذهب الحب بها كل مذهب ، ومنه شعف الجبال وهو رءوسها. (إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، أي : خطأ ظاهر. وقيل : [معناه](٣) إنها تركت ما يكون على أمثالها من العفاف والستر.
(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١))
(فَلَمَّا سَمِعَتْ) ، راعيل ، (بِمَكْرِهِنَ) ، بقولهنّ وحديثهن ، قال قتادة والسدي. وقال ابن إسحاق :
__________________
(١) في المطبوع «وتحدثت».
(٢) في المطبوع «دخلها».
(٣) زيادة عن المخطوط.