يدعوا أحدا سوى الله ، وقالوا : (لَئِنْ أَنْجانا) ، يا ربنا ، (مِنْ هذِهِ) ، الريح العاصف ، (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ، لك بالإيمان والطاعة.
(فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ) ، يظلمون ويتجاوزون إلى غير أمر الله عزوجل في الأرض ، (بِغَيْرِ الْحَقِ) ، [بالفساد](١) أي : بالقتال ، (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) ، لأن وباله راجع عليها ، ثم ابتدأ فقال : (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، أي : هذا متاع الحياة الدنيا ، خبر ابتداء (٢) مضمر ؛ كقوله : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) [الأحقاف : ٣٥] ، هذا بلاغ. وقيل : هو كلام متصل ، والبغي ابتداء ومتاع خبره ، ومعناه : إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا لا يصلح زادا لمعاد لأنكم تستوجبون به غضب الله. وقرأ حفص متاع بالنصب ، أي : تتمتعون متاع الحياة الدنيا ، (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥))
قوله عزوجل : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، في فنائها وزوالها ، (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ) ، أي : بالمطر ، (نَباتُ الْأَرْضِ) ، قال ابن عباس : نبت بالماء من كل لون ، (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ) ، من الحبوب والثمار ، (وَالْأَنْعامُ) ، من الحشيش ، (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها) ، حسنها وبهجتها وظهر الزهر أخضر [وأحمر وأصفر وأبيض](٣) ، (وَازَّيَّنَتْ) ، أي : تزيّنت ، وكذلك هي في قراءة ابن مسعود : تزيّنت.
(وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) ، على جذاذها ، وقطافها وحصادها ، ردّ الكناية إلى الأرض. والمراد : النبات إذ كان مفهوما ، وقيل : ردّها إلى الغلّة. وقيل : إلى الزينة. (أَتاها أَمْرُنا) ، قضاؤنا بإهلاكها ، (لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً) ، أي : محصودة مقطوعة ، (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) ، كأن لم تكن بالأمس ، وأصله من غني بالمكان إذا أقام به. وقال قتادة : معناه إن المتشبّث بالدنيا يأتيه أمر الله وعذابه أغفل ما يكون ، (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
قوله تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) ، قال قتادة : السلام هو الله وداره الجنّة. وقيل : السلام بمعنى السلامة ، سمّيت الجنّة دار السلام لأنّ من دخلها سلم من الآفات. وقيل : المراد بالسلام التحيّة سمّيت الجنّة دار السلام ، لأنّ أهلها يحيّي بعضهم بعضا بالسلام والملائكة تسلّم عليهم. قال الله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٣ ـ ٢٤].
[١١٤٨] وروينا عن جابر قال : جاءت ملائكة إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو نائم فقالوا : إن لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا ، قال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم إنّ العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : مثله كمثل
__________________
[١١٤٨] ـ تقدم في سورة آل عمران آية : ٣٢.
__________________
(١) زيادة عن ط والمخطوط.
(٢) في المخطوط «المبتدأ».
(٣) زيادة عن المخطوط.