الدنيا ، (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) ، بنزول العذاب وتعجيل العقوبة للمكذّبين ، وكان ذلك فصلا بينهم ، (فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ، وقال الحسن : ولو لا كلمة سبقت من ربك مضت في حكمه ، أنه يقضي بينهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون [يوم](١) القيامة ، لقضي بينهم في الدنيا فأدخل المؤمن الجنّة والكافر النار ، ولكنه سبق من الله الأجل فجعل موعدهم يوم القيامة.
(وَيَقُولُونَ) ، يعني : أهل مكّة ، (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) ، أي : على محمد صلىاللهعليهوسلم ، (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ، على ما نقترحه ، (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) ، يعني : قل إنما سألتموني الغيب وإنما الغيب لله ، لا يعلم أحد لم لم يفعل ذلك ولا يعلمه إلّا هو. وقيل : الغيب نزول (٢) الآية لا يعلم متى ينزل أحد غيره ، (فَانْتَظِرُوا) نزولها ، (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) ، وقيل : فانتظروا قضاء الله بيننا بالحق بإظهار المحق على المبطل.
قوله عزوجل : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ) ، يعني : الكفار ، (رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) ، أي : راحة ورخاء من بعد شدّة وبلاء. وقيل : القطر بعد القحط ، (مَسَّتْهُمْ) ، أي : أصابتهم ، (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) ، قال مجاهد : تكذيب واستهزاء ، وقال مقاتل بن حيان : لا يقولون هذا من رزق الله إنما يقولون سقينا بنوء كذا ، وهو قوله : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)) [الواقعة : ٨٢]. (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) ، [أي :] أعجل عقوبة وأشدّ أخذا وأقدر على الجزاء ، يريد عذابه في إهلاككم أسرع إليكم مما يأتي منكم في رفع (٣) الحق ، (إِنَّ رُسُلَنا) ، حفظتنا ، (يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) ، وقرأ [روح عن](٤) يعقوب : يمكرون بالياء.
(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣))
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) ، يجريكم ويحملكم ، وقرأ أبو جعفر وابن عامر : «ينشركم» بالنون والشين من النشر وهو البسط (٥) والبث ، (فِي الْبَرِّ) ، على ظهور الدواب ، (وَ في (وَالْبَحْرِ) ، على الفلك ، (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) ، أي : في السفن ، تكون واحدا وجمعا (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) ، يعني : جرت السفن بالناس ، رجع من الخطاب إلى الخبر (٦) ، (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) ليّنة ، (وَفَرِحُوا بِها) ، أي : بالريح ، (جاءَتْها رِيحٌ) ، أي : جاءت الفلك ريح ، (عاصِفٌ) ، شديدة الهبوب ، ولم يقل ريح عاصفة (٧) ، لاختصاص الريح بالعصوف. وقيل : الريح يذكّر ويؤنث. (وَجاءَهُمُ) ، يعني : ركبان السفينة ، (الْمَوْجُ) ، وهو حركة الماء واختلاطه ، (مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا) ، أيقنوا (أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) ، دنوا من الهلكة ، أي : أحاط (٨) بهم الهلاك (٩) ، (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، أي : أخلصوا في الدعاء لله ولم
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «بنزول».
(٣) في المطبوع «دفع» والمثبت عن المخطوط.
(٤) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.
(٥) في المطبوع «البسيط» والمثبت عن المخطوط وط.
(٦) في المطبوع «الغيبة» والمثبت عن المخطوط وط.
(٧) في المخطوط «شديد ولم يقل عاصفات».
(٨) في المخطوط «أحاطت».
(٩) في المخطوط «الهلكات».